حمد الناصري
فوجئت إيران بهجوم وحشي مكثّف من إسرائيل الصهيونية، شنّته عن عمد فجر الجمعة الماضية، وواصلت هجماتها الواسعة على إيران، ما أسفر عن مزيد من القتلى المدنيين وقادة عسكريين وعلماء نوويين. وفي صباح اليوم التالي، شمل الهجوم الصهيوني مواقع عسكرية إيرانية ومصنعًا للسيارات، بينما كانت المفاوضات بين واشنطن وطهران يُفترض أن تنعقد حول برنامج إيران النووي؛ ولأن الصهيونية لا عهد لهم، إذ كانوا يشغلونهم ثم يستعدون للإجهاز عليهم بضربة أو هجوم موجع.
ولأن إيران واجهت تحديات داخلية لأسباب كثيرة، لكنها توعّدت بالرد الحاسم الأكثر وجعًا، فأطلقت الصواريخ الباليستية فجر يوم الأحد، ضد أهداف إسرائيلية، تسببت في قتلى وعشرات المُصابين وألحقت دمارًا هائلًا، وزلزلت الكيان الإسرائيلي، بما في ذلك وسط تل أبيب والمناطق القريبة منها.
لم تتمكن القبة الحديدية واستخبارات العدو العسكرية والأمنية من صد جميع الصواريخ التي أمطرتها، وفُجعت بها إسرائيل من غير توقّع لمسار ردة الفعل الإيرانية، مما دعا نتنياهو لطلب التدخل الأمريكي، وتوسّل لإنقاذ إسرائيل من فاجعة إيرانية قادمة، خوفًا من الهزيمة وانهيار هيبة إسرائيل الفلتة.
وفي الوقت الذي تتسارع فيه الأحداث والصدمة الغربية، تقف روسيا شامخة، والصين العظمى، وباكستان القوة الشرسة، وبعض دول العالم الإسلامي إلى جانب إيران وحقها في الدفاع عن نفسها أولًا، وتاليًا نُصرة للقضية الإسلامية والعربية: غزة والقدس الشريف. وبهذا الاستبشار المبين، والإمدادات المعنوية والدعم المعنوي، وربما أبعد من ذلك، أعلنت إيران عن قوة صادمة، لقد حان وقت المواجهة على أرض الواقع؛ فاربطوا أحزمتكم واستعدوا لإنقاذ إسرائيل.
وما تقوم به إسرائيل، عدوة العرب والمسلمين، إجرام في حق الفلسطينيين، وأن المخاوف تذهب إلى أن أيّ ضربة متوقعة من إسرائيل لإمدادات النفط في جزيرة خرج الإيرانية، سيقابلها غلق مضيق هرمز، الذي هو مجرى شريان إمدادات النفط العالمي لدول عديدة، كبيرة وصغيرة، ويعني أيضًا أن ما تفكر فيه إسرائيل، كضربة عسكرية لشلّ حركة الملاحة البحرية لكثير من الدول، وتعطيل سلاسل التوريد، وإحداث ربما تضخّم في الأسعار، وخاصة الوقود. وقد يُحدث الإغلاق كارثة كبيرة على دول المنطقة والعالم، وقد يخلق صراعًا كبيرًا تجرّنا إليه إسرائيل عن عمدٍ؛ بل ربما نسير إلى صراع إقليمي، وإنهاك مخزونات الدول القريبة وذات العلاقة بالمجرى المائي، قد تصل إلى ما وراء البحار العميقة والدول المُشاطئة لها، وسينهار الاقتصاد العالمي والإقليمي إلى حدّ الركود. والأكثر تضررًا دول المنطقة؛ بل سيكون الشرق الأوسط كاملًا على شفا انهيار، بل سينفجر الوضع في دول المنطقة قاطبة.
الحروب الصليبية، ووعد بلفور سنة 1917 خلال الحرب العالمية الأولى، وتأييد الإنجليز لإقامة وطن قومي لليهود، تُذكرني بوعد ترامب في حملته الانتخابية، التي عاد بها إلى البيت الأبيض بإطفاء نار الحروب ونشر الأمن في العالم، فهل في ذلك، بعد الحرب التي شنّتها إسرائيل على إيران حاليًا، وما قبلها لبنان وسوريا، من قول مختلف، يأتي لنا بالأفعال قبل الأقوال المُهادِنة؟
إننا نرى، لتصحيح ذلك القول، تهدئةً وإيقافًا للحرب، فليس أقلّ ما يطالب به العرب والمسلمون في الشرق الأوسط هو وقف فوري لقتل الفلسطينيين في غزة، وسحب القوات الإسرائيلية من غزة والضفة الغربية كاملًا، وإبقاء القدس في قبضة المسلمين، وعودة سكان غزة إلى مواطنهم، ووصول المساعدات الإنسانية العاجلة إلى غزة.
خلاصة القول: إن خطورة إسرائيل على المنطقة لا تقلّ عن خطر أوكرانيا على روسيا الاتحادية، وأن إطفاء الحروب واجب مقدس لكل من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، على ما تقوم به دول الاستكبار العالمي، والتي هي آخذة في الانهيار. وأن موقفنا العُماني إزاء الأحداث ومجريات الحرب على إيران، موقف ثابت، والإسلام حثّ على نُصرة المسلم لأخيه المسلم، ونهى عن خُذلانه، ومن مُنطلق نُصرة المُسلم على عدوه الغاشم.
إننا نقف موقفًا ثابتًا مع أخينا المسلم في الشدة والرخاء، نُحبّ لأخينا المسلم ما نُحبّه لأنفسنا: السلام، والمحبة، والاستقرار، والأمان.