د. قاسم بن محمد الصالحي
في الوقت الذي يزداد فيه عدد خريجي الجامعات والمعاهد في سلطنة عُمان، وتتراجع فيه الفرص الوظيفية في القطاعين العام والخاص، يواجه آلاف الشباب العُمانيين تحديًا كبيرًا: كيف يجدون موطئ قدم في سوق محدودة؟
ليس السؤال سهلًا، ولا الإجابة تقليدية.. البطالة اليوم لم تعد فقط مسألة أرقام في تقارير رسمية؛ بل أصبحت واقعًا اجتماعيًا واقتصاديًا يُلامس كل بيت تقريبًا، لكن وسط هذا التحدي، برز سؤالٌ أكثر أهمية: هل يمكن تحويل هذه المحنة إلى منحة؟ نعم، إنها ليست نهاية الطريق؛ بل قد تكون بداية مسار مختلف، أكثر وعيًا بالذات والسوق، كثير من المشاريع الناشئة اليوم في سلطنة عُمان وُلدت من رحم البطالة، ومن وقت فراغ تحوّل إلى وقت إنتاج.. هناك فرص خارج الصندوق، لمن يجرؤ، فقد ظهرت مبادرات شبابية مميزة، من مشاريع تجارية صغيرة، إلى أعمال حرة تعتمد على المهارات الفردية، كالبرمجة، التصميم، الأعمال اليدوية، وخدمات التوصيل.
لم ينتظر أصحابها وظيفة؛ بل قرروا صناعة فرصتهم، كما قال جيم رون: "إما أن تعمل لتحقيق أحلامك، أو سيقوم شخص آخر بتوظيفك لتحقيق أحلامه"، البطالة ليست عارًا؛ بل ظرفًا.. يقول توماس أديسون: "أنا لم أفشل؛ بل وجدت 10000 طريقة لا تعمل"، كل محاولة غير ناجحة تقرّبك من الطريق الصحيح.
إن الدورات التدريبية المجانية أو منخفضة التكلفة، التعلم الذاتي، وحتى العمل التطوعي، كلها وسائل ترفع من الكفاءة وتزيد من فرص التوظيف أو تأسيس المشروع الخاص.. ما الذي تجيده؟، ما الذي تحبّه؟، من يملك إجابة واضحة يستطيع توجيه مساره بوعي، بدلًا من الانتظار العشوائي.
لقد أطلقت سلطنة عُمان عدة برامج لدعم ريادة الأعمال وتمكين الشباب، مثل "صندوق تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة"، و"ريادة"، وغيرها.. هذه ليست مجرد شعارات؛ بل أدوات حقيقية لمن يملك الجرأة على البدء، والتحدي لا يُواجهه الفرد وحده؛ بل، الأسرة، المجتمع، والإعلام لهم دور كبير في تغيير نظرة المجتمع للباحث عن عمل، من "عاطل" إلى "مستعد"، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز".
وفي الختام.. إنَّ أزمة الباحثين عن عمل في سلطنة عُمان- كما في غيرها- تتطلب حلولًا مُركَّبة، تبدأ من السياسات وتنتهي بروح المبادرة الفردية، لكن الطريق ليس مسدودًا؛ فالكثير من الشباب العُمانيين أثبتوا أنَّ سوقًا محدودة لا تعني أملًا معدومًا، وأن من يمتلك الإرادة يمكنه أن يصنع طريقه، حتى في غياب الطرق المعبدة، فالمحنة منحة... لمن يقرأها جيدًا.