سالم بن نجيم البادي
هل تذكرون ضحي ذلك الرجل المُشاغب؟ وكان يُحدثكم عن قضايا النَّاس بطلب منهم وكان يحب الوحدة والبقاء بعيدًا عن الناس في تلك المنطقة الجبلية التي وُلد فيها.
لكنه وعلى غير عادته قرَّر ذات سنة الذهاب إلى المدينة لأنه أراد أن يجرب حظه مع التجارة مع أنه سمع كثيرا عن مشاكل وهموم التجارة وقد افتتح محلاً لخياطة الملابس النسائية ومقهى لبيع شاي الكرك وخبز الرقاق، وقد قيل له إن السوق متشبع في هذه المجالات وإن المنافسة شديدة ورد عليهم قائلاً: كل حد ورزقه ثم مضى في إنجاز إجراءات استقدام العُمال بشغف وحماس وآمال عريضة.
ذهب إلى مكتب سند وأعطته الموظفة ورقة مكتوب فيها الرسوم التي عليه دفعها لاستقدام العمال 200 ريال للمأذونية و20 ريالا للتأشيرة و30 ريالاً للفحص الطبي و11 ريالا للشرطة مقابل بطاقة الإقامة و9 ريالات رسوم لمكتب سند، وريال واحد لعقد العمل. ومرت السنوات ومشاريع ضحي متعثرة وجاء وباء كورونا وتضاعفت الخسائر، وضحي يدفع إيجار المحال ويجدد إقامات العمال بذات الإجراءات والرسوم التي دفعها عند استقدامهم أول مرة بما في ذلك التأشيرة والفحص الطبي.
وهو صابر ويأمل أن يتحسن الوضع راضيًا بمبلغ مالي زهيد يحصل عليه من العمال ومع ضآلة المبلغ الذي يحصل عليه إلا أنه لا يحصل عليه دائما، ويحصل عوضا عنه على شكوى متكررة: "أرباب كاستمر ما فيه نفرات عُمان الحين فلوس ما فيه سوق كله تعبان".
وفي هذا العام تم تطبيق نظام حماية الأجور ومع سذاجة ضحي وإهماله وعادة التسويف التي أبتلي بها ومع صعوبة وتعقيدات التسجيل في نظام حماية الأجور، كما يعتقد ضحي تضاعفت الغرامات، وقد دفع ضحي غرامات تأخير عن شهرين حتى الآن عن كل سجل 50 ريالاًَ وهو لديه أكثر من سجل وعدد من العمال.
وطُلب منه استخراج شهادة ضريبة ويجب عليه دفع 10 ريالات رسوم شهادة الضريبة، ثم اكتشف أن عليه ضريبة مالية متراكمة، وكان يعتقد أنه لا ضريبة على المشاريع الصغيرة، أو كما قال المتناهية الصغر والمتعثرة، وتبين أنه نسي كذلك تجديد بطاقة الانتساب لغرفة تجارة وصناعة عُمان، ولذلك يجب عليه دفع 75 ريالا لتجديد بطاقة الانتساب وغرامة تأخير التجديد ودفع 25 ريالا لتجديد السجل التجاري، وهو في الواقع يجهل ما هي الخدمات التي تقدمها له غرفة التجارة والصناعة حتى يصبح الانتساب إليها إجباريًا ولا يمكن إنجاز المعاملات دون الانتساب إليها!
تصادف كل ذلك مع انتهاء إقامة عامل مزرعة والد ضحي وهي مزرعة صغيرة بين الجبال وإنتاجها قليل وتموت في معظم أيام السنة، ثم تعود الحياة إليها عند نزول المطر، لكن والده يصر على زراعتها لأنها إرث أجداده. وتجديد إقامة العامل يحتاج إلى 141 ريالا للمأذونية و20 ريالا للتأشيرة و30 ريالا للفحص الطبي و11 ريالا لاستخراج بطاقة الإقامة. وحين ذهب ضحي إلى الشرطة لاستخراج بطاقة إقامة لعامل المزرعة قالوا له "السستم خربان"، وترجمتها "النظام متعطل"، وظل ينتظر حتى نهاية الدوام والسستم لا يزال خربانًا!
وعندما عاد بعد يومين وجد الغرامة جاهزة لان فترة السماح من الغرامة انتهت منذ يومين فقط، ولكنهم حسبوها 30 يوما ودفع غرامة 10 ريالات والعتب على "السستم الخربان".
وكأن الضرائب والغرامات والرسوم لا تأتي فرادى، فقد سافرت عاملة المنزل التي تعمل عند عائلة ضحي بعد انتهاء مدة عقدها وضحي دفع لها ثمن التذكرة إلى بلادها وبدأ في اجراءات استقدام عاملة جديدة، ودفع للمأذونية 101 ريال وللتأشيرة 20 ريالا وللفحص الطبي 30 ريالا وبطاقة الإقامة 11 ريالا، وخلال ذلك وهو يتردد بين الجبال والمدينة حتى التقطه الرادار أكثر من مرة هو لا يتعمَّد تجاوز السرعة المحددة، لكنه يسهو أحيانا مع طول التفكير في الرسوم والضرائب والغرامات والروتين والسستم الخربان!
ويتساءل في قرارة نفسه لماذا كل تلك الرسوم، خاصة على عمال المزارع والمنازل وما هي الخدمات التي تقدمها الحكومة لهذه الفئات، فنحن من نقدم لهم السكن والرواتب والطعام وندفع ثمن العلاج في حالة المرض والحوادث ولماذا لا يتم تخفيض تلك الرسوم إلى النصف؟
وأصدقاء ضحي قالوا له ساخرين: برأيك تستأهل ما أحسن لك لو جالس في ذيك الجبال مع الهوش والبوش بدل ذا المراكض والخسائر!
وضحي أعجبته نصيحة أصدقائه وقرر أن يتخلص من السجلات التجارية والرسوم والغرامات والضرائب والروتين، وقال بلهجته المعروفة متحسرًا ونادمًا: "شيش فايدة" وعاد إلى الجبال بعد أن تخلص من كل تلك الأثقال.