محمد بن رامس الرواس
لطالما كان الشعب السوري ينتظر هذه اللحظات التي يتنفس فيها الحرية وعودة حياة الكرامة التي يتطلع لها بعد حكم دكتاتوري جائر كان يرزح تحت وطأته، واليوم يلوح السوريون بعلم الثورة الجديد بكل فخر وسعادة وابتهاج، ولقد ظهر لنا جلياً هذا الفرح من خلال عودة مظاهر الحياة تدريجيا لدمشق وباقي المحافظات، ومنها عودة طلبة الجامعات لجامعاتهم وطلبة المدارس لحياتهم الدراسية وهم فرحون بما انتقلوا إليه من مرحلة جديدة في الحياة هذا بجانب فتح الأسواق وغيرها من مظاهر الحياة العامة.
بعد هذه العقود من السنين تنفس الشعب السوري وذاق طعم الحرية برغم ما لحق به من قتل وتشريد ودمار، كان النظام البائد وجيشه قد قام بها وأعمل بكل ما أوتي من قوة في هذا الشعب المسالم وشرد سكانه من خلال الكثير من الجرائم البشرية التي يندى لها الجبين وتفوق الوصف.
يحاول اليوم الشعب السوري بكل ما أوتي من قوة أن يحافظ على رياح الحرية التي تنفسها من خلال محافظته على الاستقرار والانضباط المجتمعي بالإضافة إلى الحفاظ على مكتسبات الدولة الموجودة كي تستطيع النهوض بسرعة، فأعد العدة لتشكيل اللجان، والمجالس البلدية وكافة مظاهر الحياة المدنية، والاستعداد لوضع دستور دولة جديدة وقيام انتخابات نزيهة.
لقد تنفس الشعب السوري، الحرية على كافة الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وهو اليوم يشعر بوحدة سوريا كبلد واحد وتمثل ذلك من خلال معاونة المحافظات لبعضها البعض في توفير الأساسيات من الوقود، خاصة في هذه المرحلة الصعبة حيث تحركت القطارات، تحمل الشحنات من الوقود وتنقلها إلى محطات الكهرباء بالمحافظات التي تحتاجها.
وعلى الصعيد الاقتصادي، أعلن البنك المركزي عودة العمل في البنوك، وبدأت الممارسات المالية تأخذ منحى في التعامل بكافة العملات وأولها الدولار والغريب أن الليرة السورية بدأت تتعافى وتتحسن، وهذا قد يكون مخالفا للمعتاد بعد سقوط حكومة ما، لكن يبدو أن هناك رجال أعمال واقتصاديون سوريون بالداخل والخارج لديهم تلك الخبرات التي تستطيع أن ترفد وضعهم الاقتصادي، ولقد استعد ميناء اللاذقية لاستقبال السفن من كافة أنحاء المعمورة، فلقد استطاع السوريون أن يعبروا بكل أوتوا من قوة عن حقيقة فرحتهم من خلال مسابقتهم للزمن للنهوض مجددا متعافين من جور لحق بهم لما يزيد عن خمسين عاما.
لقد عجبتُ كثيرًا لأولئك الذين كانوا بالأمس أصدقاء المرحلة البائدة من تاريخ سوريا يتدخلون اليوم في تقرير مصير الشعب السوري ويضعون له الخطط والمسارات والاجتماعات وغير ذلك، أليس هناك الشعب السوري يستطيع أن يقرر مصيره ويختار مرحلته؟ بل هؤلاء يفوضون أنفسهم بدلا عنه وهذا والله لشيء عجاب.
إنَّ الشعب السوري شعب حي يتوق للمستقبل والتغيير إلى الأفضل وهو أحرص على قيام دولته وقيام العدالة والقانون والمحاسبة بداخله، وهو أدرى بكافة شؤونه، ففي سوريا من الرجال والعلماء والساسة والمثقفين أناس لديهم الخبرات الكبيرة التي قد تفوق بعض أولئك الذين يقومون بتوجيهات لم تطلبها منهم سوريا، ويفوضون أنفسهم كمسؤولين عن التغيير السياسي.
لذلك نقول.. دعوا سوريا للسوريين؛ فهُم أدرى بها وأحرص منكم على مصيرها، ولقد سرَّني قول المبعوث الأممي إلى سوريا جير بيدرسون عندما قال: إن التغيير القادم سيصنعه السوريون بأنفسهم.. خالص التهاني بالحرية أيها الشعب الحر الحي.
وللحديث بقية.