ناصر العموري
بعد استماعي لمقطع سعادة رئيس لجنة الشباب والموارد البشرية بمجلس الشورى وهو يتحدث عن حال المُسرَّحين من أعمالهم، جلستُ اتخيل حالهم ووضعهم المُحزِن، والى أين وصل بهم الحال وهم يترنحون من استقطاع لآخر!
الظاهر أن مسلسل المُسرَّحين من أعمالهم ما يزال مستمرًا، رغم المناشدات المجتمعية من المُتضرِّرين والمُتعاطفين والاجتهادات الإعلامية من مقالات وتقارير وبرامج إذاعية، وكذلك المحاولات البرلمانية من مداولات ومناقشات تُسلِّط الضوء على هذه القضية، ومحاولة إيجاد حَلٍ يوفر الحياة الكريمة للمُسرَّحين من أعمالهم ولأسرهم، لكن مما زاد الطين بِلة القرار الذي صدر من قبل وزارة العمل وصندوق الحماية الاجتماعية من استقطاع ثانٍ لمخصصات الأمان الوظيفي الخاص بالمُسرَّحين من أعمالهم.
المُسرَّح المسكين حائرٌ وتائهٌ بين الاستقطاع تلو الآخر، وقد وصلنا الآن للاستقطاع الثاني، فبعد ما كان المُسرَّح- مثلًا- يحصل منفعة "الأمان الوظيفي" بقيمة 300 ريال إذا كان يستلم راتبًا 600 ريال في عمله السابق، تغير الأمر وأصبح يحصل على 115 ريالًا فقط بعد الاستقطاع الثاني، فماذا يفعل المُسرَّح بمبلغ يُمنح لعامل بسيط لا يملك أية مهارات أو مؤهلات؟ وهل مبلغ 115 ريالًا في الأساس كافيًا لإطعام أبنائه وسداد التزاماته الأساسية؟
الحُجة الأولى التي ساقها صندوق الحماية الاجتماعية، أن خفض مبلغ "بدل الأمان الوظيفي" جاء لكي تكفي المبالغ المخصصة جميع المُسرَّحين، وهذا اعتراف ضمني بأن أعداد المُسرَّحين في تزايد. أما الحجة الثانية فهي أن عدداً من المُسرَّحين من أعمالهم رفضوا الفرص الوظيفية التي عُرضت عليهم، رغم أن أعدادًا كثيرة منهم تؤكد أنهم لم تصلهم أي رسالة للتوظيف!
وزارة العمل وصندوق الحماية الاجتماعية من المفترض أن يكونا السند والمعين ومن يقف في صف المُسرَّح من عمله، تقديرًا لظروفه وفي إطار الحرص على توفير الفرص الوظيفية المناسبة التي تناسب مؤهلاته وخبراته، وحمايته من طغيان بعض الشركات التي تُمارِس باحترافٍ قانونيٍ لعبة الضغط على الموظفين، عندما تُخيِّرُهم بين التسريح أو الاستمرار في العمل بنصف الراتب، وهذا يعني أسوأ استغلال لحاجة المواطن للعمل.
وفي ظل تزايد حالات التسريح من العمل وارتفاع أعداد الباحثين عن عمل، أصبح من الضرورة إيقاف قرار الاستقطاعات من مُخصَّصات بدل الامان الوظيفي للمُسرَّحين، على الأقل إلى حين الحصول على وظيفة مناسبة أو حل مسألة التسريح، التي أُجزِم أنها بحاجة إلى قرار صارم من اعلى مستوى حكومي.
إنني أوجه نداءً لكل مسؤول أن يتحلى بقلبٍ رحيمٍ بالمتضررين، وأن يُمعن الفكر المُستنير لوضع حدٍ لقضية المُسرَّحين من أعمالهم، فقد كثرت الأعداد، لذلك لا تزيدوا همومهم وأوجاعهم، فالطرقات تشهد على الأعداد المتزايدة لمن اتخذها سوقًا يبيع فيه ما يُمكن أن يسُد به رمقه ورمق أبنائه، ومواقع التواصل تكدسّت بالمناشدات الإنسانية التي يندب لها الجبين، وتدمع لها العين، ووقاعات المحاكم اكتظت بقضايا تعسُّر المُسرَّحين عن سداد التزاماتهم المالية، وما ترتب عليهم من بيع منازلهم (حلم العمر) وحبس المُعسِرين وتشرُّد أُسَرِهم.
والسؤال هنا: لماذا يُستقطع أكثر من مرة من منفعة الأمان الوظيفي، بينما البلد فيها الخير العميم واقتصادنا في تعافٍ مستمر؟! ومن المفترض ان يحصل المُسرَّح على راتب مناسب وقريب من راتبه السابق؛ بل وحتى الباحث عن عمل من المُفترض أن يحصل على راتب مناسب عوضًا عن أن يكون حِملًا ثقيلًا على ولي أمره؛ فمنهم المُتقاعد، ومنهم المُسرَّح، ومنهم من راتبه يكاد يكفيه في هذا العصر الفاحش الغلاء.
لا يخالطني شك أن عُمان بخيرٍ، والى خير، في ظل القيادة الرشيدة، وأتمنى أن يكون باكورة الاهتمام هنا هو المواطن، من تعليمٍ وتأهيلٍ وتشغيلٍ، وأن يكون له النصيب الأوفر من التمتُّع بخيراتِ هذا البلد.