تنمية المحافظات.. شمال الباطنة نموذجًا

 

 

مرتضى بن حسن بن علي

 

المُهمة الأساسية لأية حكومة تتمثل في تحويل أي مجتمع تتوافر فيه مقومات التنمية والتعايش الإنساني المنظم، ومن الصعوبة تحقيق أية تنمية ناجحة ومُستدامة إذا اقتصرت على مناطق جغرافية محددة، وكل ذلك يتطلب الاهتمام بجميع المناطق من كل النواحي اقتصاديًا وتعليميًا وصحيًا وعُمرانيًا وبيئيًا.

علاوة على أنَّ كل ذلك يتطلب دورًا مُتعاظِمًا للمحافظات ليعكس الاهتمام بالتنمية الشاملة في جميع أنحاء عُمان، وذلك عن طريق تطبيق نظام السُلطة المحلية وتحديد كافة المتطلبات اللازمة لتفعيل دور المحافظ. ومن أجل هذا الهدف صدر المرسوم السامي رقم (36/ 2022) بشأن نظام المحافظات لتعزيز دور المحافظات، واتِّباع أسلوب النهج الحديث للإدارة المحلية اللامركزية لكي تتمكن المحافظات من القيام بالأدوار المرجوة منها؛ لكي تتناسب مع أهداف وركائز رؤية "عُمان 2040"، والتي من بينها التنمية المستدامة للمحافظات، وتهيئة البيئة الجاذبة للاستثمارات فيها، وتنمية مواردها، والارتقاء بالخدمات والأنشطة المحلية والبلدية فيها.

ومحافظة شمال الباطنة من محافظات السلطنة المهمة جغرافيًا واقتصاديًا، وتضم 6 ولايات؛ هي: صحار وشناص ولوى وصحم والخابورة والسويق، علاوة على مركز المحافظة ولاية صحار، وتحتضنها الأشواق المتبادلة بين البحر والسهل والجبل.

ولكونها تحظى بموقع جغرافي حيوي يمتد على الساحل الجنوبي لبحر عُمان، فإنها تعد نافذة بحرية عُمانية تربط عُمان بالدول الأخرى منذ القدم، عبر النشاط البحري والتجاري في الخليج والمحيط الهندي، كما تتميَّزُ بإمكانات اقتصادية، تتمثل في أنها تضُم سهولَ السلطنة الزراعية (سهل الباطنة)، وتتنوع بها الخامات المعدنية التي تم البدء في استغلالها لإقامة عدة صناعات ثقيلة وحيوية.

ويمثل ميناء صحار الصناعي واحدًا من المشروعات الاقتصادية الكبيرة في السلطنة، خاصةً في ظِل استقطاب المنطقة الصناعية في صحار لعدد كبير من المشروعات الصناعية الكبيرة والتحويلية؛ كالسماد والبتروكيماويات والألمنيوم والحديد. وقد عزَّز ذلك إنشاء المنطقة الحرة في صحار، ومطار صحار الذي يمثل وجهة جوية جديدة لعُمان، وسيساهم في تنمية القطاعات التجارية والصناعية القريبة منه. كما إن مشروع القطار الخليجي المُنتظر (خط صحار- أبوظبي) سيزيد من أهمية المحافظة، ومن أهمية مدينة صحار، وهي مركز محافظة شمال الباطنة.

وتستحوذ محافظة شمال الباطنة على نسبة 20.1% من مجموع سكان عُمان (عُمانيين ووافدين)، وهي تأتي مباشرة بعد محافظة مسقط من حيث عدد السكان، التي بلغت نسبة السكان فيها من إجمالي تعداد السلطنة حوالي 29%، وبلغ عدد سكانها مليونًا و311 ألفًا.

خلال زياراتي لمدينة صحار واجتماعاتي مع سعادة المحافظ والموظفين في مكتب سعادته، لاحظتُ وجود تعاون مع النخب المجتمعية المختلفة والمناقشة معهم في كيفية دعم تجربة تنمية المحافظات حسب تخصصها لكي تكون المسؤولية جماعية. ويهدف مكتب المحافظ إلى رفع مستوى التنمية في مُدن وولايات المحافظة، من أجل مُقيميها وزوارها عن طريق استثمار المقومات الاقتصادية والطبيعية والتاريخية للمحافظة. كما يحرص المكتب على الاستماع لأية مقترحات تتعلق بتعزيز التفاعل مع الجهات المعنية ومنها قطاع الأعمال والقطاع الخاص ومتابعة ومراقبة تنفيذها. وتجري دراسة تنظيم برامج تدريبية مُستمرة لأعضاء المجالس المحلية والقيادات المحلية الأخرى، وكذلك وضع برامج تدريبية للعاملين في الوحدات الإدارية والتنسيق بشأن تنفيذها مع الجهات المعنية. ويعكف مكتب المحافظ على دراسة حول تحقيق الأمن الغذائي عبر استغلال جميع الموارد المتوفرة كالزراعة، أو تخزين الطعام، أو استهلاك الغذاء بشكل اقتصادي ومدروس، وإنتاج منتجات قابلة للتسويق والتصدير؛ مما يُوَلِّد الدخل الكافي لتأمين الغذاء المحلي، إضافة إلى توفير فرص عمل ومحاولة الابتعاد عن أساليب الزراعة التقليدية والتوجه إلى الاستعانة بالتكنولوجيا الحيوية لإيجاد منتجات بنوعية ذات جودة، ودراسة استعمال الزراعة العمودية، إضافة إلى تعزيز النمو الاقتصادي والمُساهمة في خلق فرص عمل جديدة، وزيادة النشاط الاقتصادي المحلي، والتحسين عن طريق الاهتمام بجذب الاستثمارات في مجالات الزراعة والصيد والسياحة والصناعة.

وقد فازتْ محافظة شمال الباطنة بجائزة أفضل مشروع إنمائي لعام 2024. وفي المرحلة الأولى من هذا المشروع سيتم إنشاء 95 محلًا تجاريًا، و15 محلًا لبيع الأسماك، و10 مطاعم ومقاهٍ، إضافة إلى مركزيْن للتدريب الحرفي، ومركز زوار سياحي، ومرفأ لمراكب الصيد، وفندق.

ومن المقرر أن تضم منطقة المارينا أسواقًا تراثية ومسارات مُشاة، وكورنيش المارينا، وساحات تجميعية، ومارينا وممشى عائماً، وهذا التطوير سيُسهم في خلق 372 وظيفة مباشرة و750 وظيفة غير مباشرة؛ مما يعزز الاستدامة الثقافية والاقتصادية ويوفر فرصًا استثمارية جديدة. وتبلغ القيمة الإجمالية للمرحلة الأولى من المشروع 9.8 مليون ريال عُماني؛ مما يعكس التزام المحافظة بتطوير البنية الأساسية وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام في المحافظة؛ بل ومنطقة الباطنة بأكملها.

وتسعى المحافظة إلى استثمار حوالي 14 مليون ريال عُماني خلال السنوات الثلاثة المُقبلة في مشروعات "أَنْسَنة المُدن"، والتجديد الحضري لمراكز الولايات، وتطوير الواجهات البحرية والمتنزهات والحدائق، وتطوير مداخل الولايات، إضافةً إلى تجميل ضفاف الأودية وتطوير المسارات الرياضية وتعزيز البنية الأساسية لأنشطة السياحة البيئية. كما تعمل المحافظة على رصد الفرص الاستثمارية القائمة في قطاعات الصناعة واللوجستيات والتطوير العقاري والسياحة والترفيه. وقد وقَّعت المحافظة مؤخرًا 3 اتفاقيات استثمارية وانتفاع عقاري بتكلفة تجاوزت 11 مليون ريال عُماني. وتشمل الاتفاقيات إقامة مشروع ترفيهي سياحي "منتجع أكوا بارك" في ولاية السويق على مساحة 148 ألف متر مربع، وبحجم استثمار 4.56 مليون ريال عُماني، وقد وصلت نسبة الانجاز في الإجراءات والموافقات من مختلف الجهات نسبة عالية.

إضافة إلى ذلك تمَّ التوقيع على اتفاقية عقد استثمار وتطوير بحديقة "اليوبيل الفضي" في ولاية صحار؛ لإقامة مشروع ترفيهي سياحي تجاري على مساحة 12.5 ألف متر مربع وبحجم استثمار 3 ملايين ريال، وتواصل نسبة الإنجاز في الصعود. وقد وصلت نسبة الانجاز في الإجراءات والموافقات من مختلف الجهات إلى نسبة عالية، وهناك مشروع ثالث ترفيهي تجاري بولاية صحار تبلغ تكلفته الإجمالية 3.5 مليون ريال عُماني على مساحة 20 ألف متر مربع.

إنَّ تخطيط وتنمية المحافظات في سلطنة عُمان ليس مجرد خطوة إدارية؛ بل ضرورة حيوية لتطوير البلاد بشكل متوازن ومستدام، وذلك من خلال تعزيز النمو الاقتصادي، وتحسين البنية الأساسية، والاستفادة المثلى من الموارد. كما إن تخطيط وتنمية المحافظات يساعد في تحقيق التنمية المستدامة والمساهمة في تحقيق رؤية "عُمان 2040" الرامية إلى تنويع الاقتصاد، وتحقيق رفاهية اجتماعية واقتصادية للجميع.

ومن المهم أن يكون الدعم المالي لكل محافظة مُتباينًا حسب مساحة المحافظة وعدد سكانها وأهميتها الاستراتيجية واحتياجاتها للتنمية. وقد يكون مفيدًا أن يتم نشر الجهود التي بذلت لتنمية كل مُحافظة، وأن يتم تقديم الجوائز للمُحافظة التي حققت إنجازات مُهمة.

وأخيرًا.. إنَّ مُبادرة "تنمية المحافظة" رحلة لا بُد أن تستمر وتتطور في كل مرحلة، ولا بُد من ضخ الجهود والأفكار لكي لا يقل الزخم تجاهها؛ بل العكس، مع الاستفادة من التجارب العالمية الناجحة في هذا السياق.

الأكثر قراءة