الاقتصاد في 2025

 

علي الرئيسي **

 

ما التوقعات حول الاقتصاد العالمي خلال العام المُقبل؟ وكيف سيُؤثر تذبذب نمو الاقتصاد العالمي على اقتصادات الدول الخليجية بصورة عامة واقتصاد سلطنة عُمان بصورة خاصة؟

رغم أنَّ توقعات الاقتصاد تخضع لكثير من المتغيرات، إلّا أنَّ هذه التوقعات يسودها عدم اليقين دائمًا، خاصة في ظل عالم مضطرب تسيطر عليه القلاقل الجيواستراتيجية، وبالذات في ظل التجاذب بين الولايات المتحدة وأوروبا من جهة وبين الصين وروسيا من جهة أخرى.

اقتصادات الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي واليابان من المتوقع أن تنمو بأقل من 3% خلال الفترة المقبلة، وفي الوقت نفسه، من المتوقع أيضًا أن تشهد الاقتصادات الناشئة الكبيرة مثل البرازيل والأرجنتين وجنوب أفريقيا تباطؤًا في النمو على مدى العقد المقبل. كما تهدد سياسات الرئيس المنتخب دونالد ترامب بفرض تعرفة جمركية تصل إلى 20% على الواردات من كندا والمكسيك والصين وكذلك فرض تعرفة على بقية البلدان بأننا مقبلون على حرب تجارية وسياسات حمائية ستؤدي في الأغلب على تباطؤ للاقتصاد العالي.

ورغم أن الناتج المحلي الإجمالي العالمي ارتفع إلى 110 تريليونات دولار، فإنَّ التقدم لا يزال غير متكافئ، مما يُهدد بتآكل مستويات المعيشة. والأسوأ من ذلك أنَّ الاقتصاد العالمي يواجه رياحاً مُعاكسة قوية من شأنها أن تخنق النمو والابتكار والاستثمار، مما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار السياسي والاجتماعي.

وتزعم دامباسا مايو في "بروجكت سندكت" أن في المستقبل، ستبرز 8 مخاطر تُهدد نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهي: التصدعات الجيوسياسية، والسياسات المحلية المثيرة للانقسام، والاضطرابات التكنولوجية وصعود الذكاء الاصطناعي، والاتجاهات الديموغرافية، وتزايد التفاوت بين البلدان وداخلها، وندرة الموارد الطبيعية، والديون الحكومية والسياسات المالية المتساهلة، وتراجع العولمة. وفي مجموعها، ستشكل هذه الرياح المعاكسة عائقًا مستمرًا أمام النمو الاقتصادي في السنوات المقبلة.

وعلى مدى السنوات الخمسين الماضية، تحول الاقتصاد العالمي من عملية محصلتها إيجابية إلى عملية محصلتها سلبية. وبلغ عصر المحصلة الإيجابية، المدفوع بالتعاون الاقتصادي والعالمي، ذروته خلال فترة إجماع واشنطن، التي برزت مع سقوط جدار برلين في عام 1989 وانضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001. ولكن في أعقاب الأزمة المالية في عام 2008، دخل العالم فترة محصلتها سلبية، اتسمت بتراجع النمو، وتكثيف المنافسة، وتصاعد التوترات الدولية، التي تفاقمت بسبب جائحة "كوفيد-19"، وغزو روسيا لأوكرانيا، وحرب الإبادة في غزة.

بالنسبة للشرق الأوسط، فقد ذكر تقرير "آفاق الاقتصاد الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" الصادر عن صندوق النقد الدولي في أكتوبر الماضي، بأن المشهد الاقتصادي يواجه تحديات هائلة، من بينها ما يفرضه التشرذم الجغرافي الاقتصادي (المقصود نمو مجموعة بريكس)، كما تواجه اقتصادات دول المنطقة تحولًا في أنماط التجارة، كما تواجه تحديات في التعامل مع صدمات متكررة ناجمة عن الصراعات وتغير المناخ. لذلك فإن آفاق النمو من المتوقع أن تبقى ضعيفة.

لقد ظلت اقتصادات دول مجلس التعاون تنمو بشكل بطيء حيث لم يتجاوز النمو 2.3% في العام الحالي بينما كانت 1.7% في عام 2023 ويرجح صندوق النقد الدولي تراجع النمو في دول مجلس التعاون في عام 2024 أساسًا لتخفيضات في إنتاج النفط وذلك ضمن اتفاق أوبك بلس. ومن غير من المتوقع أن يكون النمو في الاقتصاد غير النفطي قويًا في عامي 2024 و2025.

ومن المتوقع أن تحافظ دول مجلس التعاون على معدلات تضخم منخفضة؛ حيث إنَّ التضخم الكلي سيبقى في حدود 2% على المدى المتوسط، رغم التخوف من ارتفاع أسعار المواد الغذائية عالميًا. ونتيجةً لتباطؤ في إنتاج النفط في العام المقبل وتوقعات بتراجع أسعار النفط تدريجيا في الأعوام المقبلة، فمن المتوقع أن تتراجع أرصدة الحساب الجاري في المدى المتوسط، وأن يتراجع الفائض في الحساب الجاري في مجلس التعاون إلى حوالي 2.5% من إجمالي الناتج المحلي على المدى المتوسط (بلغ الفائض 6.1% في عام 2024).

وبالنسبة لسلطنة عُمان، تُشير توقعات صندوق النقد الدولي الصادرة في نهاية أكتوبر الى زيادة في نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، وذلك من 1% في عام 2024 إلى 3.1% في عام 2025. ويُتوَقَّع ارتفاع نمو القطاع غير النفطي من 3.2% في عام 2024 الى 3.4% في عام 2025، بينما من المتوقع ارتفاع نمو الناتج المحلي الحقيقي للقطاعات النفطية من سالب 3.4% في عام 2024 إلى 2.4%؛ حيث من المتوقع أن يظل إنتاج النفط في حدود مليون برميل يوميًا، بينما يظل إنتاج الغاز في مستوى 15 مليون طن متري سنويا بعد اكتمال القاطرة الجديدة.

ومن المتوقع أن يظل التضخم في مستويات منخفضة فقد ارتفعت الأرقام القياسية لأسعار المستهلكين بنسبة 1.3% في عام 2024 بينما من المتوقع أن يرتفع التضخم إلى 1.5% في عام 2025.

التوقعات تشير كذلك إلى تراجع الفائض في الحساب الجاري من 2.3% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024 الى 1.4% في عام 2025؛ حيث من المتوقع أن تظل فاتورة الواردات من البضائع والخدمات في حدود 50 مليار دولار، بينما ستصل حصيلة الصادرات من البضائع والخدمات في حدود 68.1 مليار دولار.

إنَّ ضعف النمو الاقتصادي يفرض تحديات كبيرة على الحكومة والمجتمع، فإذا أخذنا في الاعتبار النمو السكاني، فإن ضعف النمو سيؤدي إلى زيادة في عدد الباحثين عن عمل، وخاصةً تراكم عدد الباحثين عن عمل من الخريجين. كما إن ذلك سيمنع من تحقيق أهداف رؤية "عُمان 2040" فيما يتعلق بزيادة دخل الفرد. ورغم أهمية الاستدامة المالية ووضع الدين العام تحت السيطرة، إلّا أن من الأهمية بمكان أن تظل السياسات الاقتصادية ساعية نحو زيادة النمو الاقتصادي واستدامته، وكما هو معروف فإنَّ النمو في البلدان النفطية لا يتحقق سوى بزيادة الإنفاق الحكومي الرأسمالي والتنموي أو بزيادة الاستثمارات الأجنبية المؤسسية، وذلك في غياب سياسة نقدية نشطة ووجود أسوق مالية تُعاني الضعف. علاوة على أن مسألة التنويع الاقتصادي بعيدًا عن النفط والغاز، يجب أن تحظى بالأولوية؛ مما يتطلب تحسين قطاعات مثل السياحة والزراعة والصناعة. كما يجب عدم التركيز على النمو بالمطلق، ولكن يجب ان يكون النمو شموليًا؛ أي يجب أن يصل إلى القطاعات الهشة في المجتمع.

ورغم الإصلاحات التي قامت بها الحكومة مؤخرًا لتحسين الخدمات العامة وإدخال التكنولوجيا والرقمنة، إلّا أن الأداء الحكومي بحاجة ليكون أكثر ديناميكية وبعيدًا عن الروتين، كما إن هناك حاجة مُلحَّة للاستثمار في التكنولوجيا والابتكار لتحسين الإنتاجية ودعم نمو الأعمال.

** باحث في قضايا الاقتصاد والتنمية

الأكثر قراءة