أبو غوادر يُغادر

 

 

 

خليفة بن عبيد المشايخي

khalifaalmashayiki@gmail.com

 

لم تكُن الساعات الأولى من صبيحة يوم الإثنين الماضي، تُنبئ بأنَّ أمرًا ما سيحدث، أو مصيبة ستقع، أو أن فقدًا أليمًا سيكسر القلب، فلم تكُن أحداث هذه الساعات تنذر بخبر صادم أو مُفزع وأننا سنفقدُ أخًا أو حبيبًا أو عزيزًا أو غاليًا كما حدث لدينا.

فمُنذ أيام طفولتنا جَمعنا بيتٌ واحد، كنا نلعب سويًّا في تلك القرية الوادعة التي كانت ولا تزال على ضفاف الوادي، في مسقط رأسنا.. ربَّتنا أمُّه (خالتي) وجدتنا من أمِّنا، ونلنا مِنهما من الحنان والعطف والشفقة، ما مكَّننا لنرى الحياة بمنظور مُختلف، بشيء من المحبة والتفاؤل.. إلى أنْ دقت ساعة الرحيل فجر يوم الإثنين الماضي، وتحديدًا في تمام الثالثة فجرًا، حين هزَّني خبر رحيل أخي وابن خالتي سعيد أبو غوادر، صاحب الوجه البشوش والابتسامة اللطيفة، رحل بهدوء، وبدون صَخب أو مُقدمات، رحل بمفاجأة خبَّأها لنا جميعًا في ليل حالك السَّواد؛ حيث كُنت أقاسي وأعاني من نوبات الألم التي كانت تعتصر قلبي نتيجة ضعف عضلته التي باتت تُؤرق ليلي ونهاري.

رحل ذاك الإنسان الطيِّب الذي كان يبعث لنا مخطوطات يده، ورسائله الموشَّحة بصمته وبوحه ورسائل الوداع المُر، تُرجِمت جميعها واقعًا فجر الإثنين، حينما تلقيتُ اتصالًا من ابني الأكبر، يقول لي: "أبي، هل لديك خبر بأن عمي سعيد توفي؟". تسمَّرت مكاني وسألته: "من عمك سعيد؟"، قال لي: "عمي أبو غوادر في ذمة الله مُنذ قليل، إثر حادث سير أليم وقع له في منطقة المعبيلة، أودى بحياته مباشرة". صُدمت وفُجعت، وشلَّ الخبر حركتي، وضَاعَف من آلامي، فتحاملتُ على نفسي واتصلت بأحد إخواني لأتأكد من صحة الخبر وكأنني لم أكن قادرًا على الاستيعاب أو أبحث عمَّن يكذِّب الخبر لا أدري، فرد عليَّ أخي بأن الخبر صحيح، وأنه الآن في مستشفى الشرطة حيث الجثمان هناك.

تحرَّكتُ مسرعًا ولا أدري كيف وصلت إلى هناك.. دلفتُ إلى المستشفى بخطوات متثاقلة متجهًا نحو المشرحة، وأُحدِّث نفسي: كيف لي أن أراه ميتًا، إلى أن قدَّر الله ويسرَّ وشعرتُ بأنَّ قوة تدفعني لأراه، لأصدِّق ما سمعته بأن أخي الخطاط سعيد بن نصيب مات بحادث تدهور.

مَكثنا في المستشفى حتى وصلت سيارة نقل الموتى، وأخرجوه من الثلاجة، ونادى بنا ذلك الشرطي: "من يُرِد منكم أن يلقي عليه نظرةً أخيرة فليتفضل"، وإذا به يكشف عن وجهه المُشِع بالنور، متلألئًا، فطبعتُ قبلةً على جبينه والألم يعتصر قلبي.. يا الله، كم هو مشهد صعب وموقف ثقيل.

تغمَّدك الله يا أبا غوادر بواسع الرحمة، وأسكنك فسيح جناته.. وألهمنا الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة