حل الدولتين.. أم دولة ديمقراطية واحدة؟!

 

مسعود أحمد بيت سعيد

masoudahmed58@gmail.com

 

منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد والتطبيع العربي يجري على قدم وساق، وربما بعض الأنظمة العربية سبقت في علاقتها مع الكيان الصهيوني تلك الاتفاقية، وهي التي مهدت لها والمسألة معروفة، غير أن التطبيع بمعناه القانوني والسياسي والدبلوماسي قضية أخرى، وكانت إلى وقت قريب تحكمها اعتبارات وحسابات موزونة بدقة، وكانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة تراعي مثل تلك الاعتبارات وضرورة أخذها في الحسبان.

وبعد المتغيرات الدولية وسقوط المنظومة الاشتراكية من جانب وما جرى على الأرض العربية خلال العقدين الأخيرين من جانب آخر، لم تعد الذرائع والمبررات التي تتحجج بها بعض الأنظمة مقنعة وفق المنظور الأمريكي، وفي ضوء هذا المناخ العام واحتمالات تصاعد وتيرة التطبيع مع الإدارة الأمريكية الجديدة من ناحية وواقع الثورة والقضية والشعب بعد طوفان الأقصى من ناحية أخرى، يثار مجددا السؤال حول العنوان الرئيسي الذي يتمحور حوله العمل الوطني الفلسطيني والعربي في المرحلة المقبلة، وهل هو الدولة الديمقراطية الواحدة أم حل الدولتين؟ وإذا كانت فرضية حل الدولتين رغم كل ما قدم في سبيلها من تنازلات فلسطينيًا وعربيًا قد وصلت إلى الطريق المسدود، فان حل الدولة الديمقراطية الواحدة التي تعني فيما تعنية تفكيك المؤسسات الاستعمارية الكولونيالية وفتح الطريق أمام التعايش والحقوق المتساوية في دولة ديمقراطية مدنية والتي تعد الحل الأكثر واقعية لم تتوفر لها يومًا الإمكانات الموضوعية على الصعيدين الإقليمي والدولي المسقوفة كحد أقصى بحدود القرارات الدولية القائمة على التقسيم.

لا شك أن النضال الوطني الفلسطيني كان ولا يزال أمام الخيارات الصعبة، إما مجاراةً للظرف الدولي بكل طغيانه وظلمه وأما الرفض المطلق لنتائجه موازينه والتمسك بالهدف الاستراتيجي البعيد المدى بكل تبعاته وموجباته، دون أن يغيب عن الذهن بأن المعسكر المساند للنضال الوطني الفلسطيني سابقًا وراهنًا بأغلبيته الساحقة يقف عند حدود حل الدولتين، هذه المعطيات الموضوعية القاسية قد حددت نهج وتوجه الحركة الوطنية الفلسطينية تاريخيًا وقادتها بعد سجالات نظرية عميقة للتوافق الوطني على مرحلية الأهداف الوطنية والتقاطع مع المسار العالمي بكل انحيازاته المجحفة حتى إنجاز الهدف المرحلي في العودة والدولة المستقلة وتقرير المصير، رغم الملابسات التي اكتنفت المرحلية النضالية والخروقات التي نجمت عن فهمها في الممارسة العملية وذلك ارتباطا بالواقع العربي الذي يدفع باتجاه الانحرافات الوطنية واحتضانها.

وما يهم تأكيده يتمثل في سلامة شعار الدولة الديمقراطية من الناحية النظرية والذي سيشكل في حال ترسيخه ناظم للوحدة الوطنية الحقيقية، وفي هذا الإطار ينبغي وزن الخيارات الراهنة والقادمة بميزان الذهب.

وفي هذا السياق، هل حل الدولتين من الناحية الاستراتيجية يتعارض مع حل الدولة الديمقراطية الواحدة؟ وأيهما أفضل للشعب والقضية والحقوق التاريخية في هذه المرحلة تحديدًا، بكل ما يحيطها من ملابسات وتعقيدات؟ وهل اعتماد المرحلية النضالية وتجزئة الأهداف أم استبعاد هذا التوجه نهائيا من قاموس الفعل والتكتيك السياسي؟

لا شك أن فلسطين كلها من نهرها إلى بحرها هي لشعبها الفلسطيني الذي هو جزء من الأمة العربية وأن استعادتها كاملة مهمة وطنية وقومية وهي حتمية تاريخية، ولا يجوز تحت ضغط الظروف القاسية التفريط في حبة واحدة من ترابها، ولا ريب أن الرأي الذي حسم قضية حل الدولتين بالنفي يستمد مشروعيته من الحق والعدالة التاريخية وفشل هذا الخيار وفق صيغة أوسلو، وهي حيثية تُزكيها الحقائق والتجربة الملموسة.

غير أن الحركة الوطنية الفلسطينية بمعظم مكوناتها الرئيسية ما زالت تعتقد أن هذا الخيار لم يستنفد كل إمكانياته بعد، وهي مطالبة بعد تجربة طويلة من التجريبية السياسية بأن تجري المراجعة العلمية الجادة وإخضاع كل الخيارات ونتائجها العملية للنقد العلمي والموضوعي والثوري؛ وهي بالتأكيد تمتلك من الوسائل والخبرات والطاقات الفكرية والنضالية والإخلاص الوطني ما يمكنها من استشراف الممكن الواقعي، وتعلم أكثر من غيرها طبيعة المشروع الإمبريالي والصهيوني وفي أهمية حماية مشروعها الوطني التحرري بكل أبعاده.

وفي حال استقرت خلاصات مراجعاتها الوطنية على أية عنوان سيتوجب على الأمة العربية كلها احترام ما تفرزه الإرادة الوطنية الفلسطينية ودعمها. إلّا أن فكرة حل الدولتين وامتداداتها ما زالت واسعة في الواقع الفلسطيني والعربي وتحديدًا لدى القوى البرجوازية واليمينية، وبعض أطراف الحركة اليسارية المتماهية مع هذا الخيار، الذي يتماشى مع التوجهات الدولية، وبطبيعة الحال ما يلوح في الأفق إلى الآن لا بوحي بعكس هذا التوجه، وأن وتيرة الصعود والهبوط في الخطاب السياسي الراهن يدخل في إطار المناكفات والمناورات السياسية التي لا يعتد بها كبعد استراتيجي في طي مرحلة حل الدولتين وفتح الطريق أمام مرحلة الدولة الديمقراطية الواحدة بكل آمالها وصعوباتها واستحقاقاتها التاريخية.

الأكثر قراءة