كشف الستار عن حالة ظَفَارِ للشيخ عيسى الطائي قاضي قضاة مسقط (25)

كشف الستار عن حالة ظَفَارِ للشيخ عيسى الطائي قاضي قضاة مسقط (25)

تحقيق: ناصر أبوعون

يقول الشَّيخُ القاضِي الأجَلّ عِيَسى بِنْ صَالِحٍ بِنْ عَامِرٍ الطَّائِيُّ: [(وَأَمَّا مَلَابِسُهُمْ فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ يَلْبَسُ رِدَاءً أَسْوَدَ؛ طَرَفٌ مِنْهُ يَتَّزِرُ بِهِ، وَالطَّرَفُ الْآخَرُ يَسْدِلُهُ عَلَى عَاتِقِهِ، وَيَعْصِبُ جَوَانِبَ رَأْسِهِ بِسَيْرِ جِلْدٍ مَفْتُوْلٍ لَا يَقِلُّ طُوْلُهُ عَنْ ثَلَاثَةِ أَبْوَاعٍ يُسَمُوْنَهُ مَحْفِيْف؛ وَلَعَلَّ اِشْتِقَاقَهُ مِنْ (حَفَّ بِالشَّيءِ = أَحَاطَ بِهِ) لَأَنَّهُ يُحِيْطُ بِجَوَانِبِ الرَّأْسِ، وَلَا يَضَعُوْنَ عَلَى رُؤُسِهِمْ شَيْئًا غَيْرَ الْمَحْفِيْفِ، وَيَشُدُّونَ أَوْسَاطَهُمْ بِخَنَاجِرَ عُمَانِيَّةٍ فِي الْغَالِبِ، وَسَلَاحُهُمْ (المَارْتِيْنِي)أَيْ الصُّمْعَا. وَيَحْمِلُونَ السُّيُوفَ الْمُصْلَتَةَ، أَيْ الْمَسْلُوْلَةَ مِنْ أَغْمَادِهَا، وَهِيَ السَّيْفُ العُمَانِيَّةُ. وَعِنْدَهُمْ كَثِيْرٌ مِنَ الْعَوَائِدِ الْعُمَانِيَّةِ كَـ(الْمَنِّ)، وَهُوَ الْوَزْنُ الْمَعْلُوْمُ فِإنَّهُ نِزْوِيّ، وَكَذَلِكَ (الْمَكُوك) تَسْمِيَةً وَمِقْدَارًا فِي الْكَيْلِ. وَلَعَلَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ سَرَتْ إِلَيْهِمْ مِنْ (آلِ يَعْرُبَ) وَقْتَ اِحْتِلَالِهِمْ ظَفَارِ كَمَا ذكَرْنَا ذَلِكَ)].

*****

يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى الطَّائِيُّ: [(وَأَمَّا مَلَابِسُهُمْ فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ يَلْبَسُ رِدَاءً أَسْوَدَ؛ طَرَفٌ مِنْهُ يَتَّزِرُ بِهِ، وَالطَّرَفُ الْآخَرُ يَسْدِلُهُ عَلَى عَاتِقِهِ، وَيَعْصِبُ جَوَانِبَ رَأْسِهِ بِسَيْرِ جِلْدٍ مَفْتُوْلٍ لَا يَقِلُّ طُوْلُهُ عَنْ ثَلَاثَةِ أَبْوَاعٍ يُسَمُوْنَهُ (مَحْفِيْف)؛ وَلَعَلَّ اِشْتِقَاقَهُ مِنْ (حَفَّ بِالشَّيءِ= أَحَاطَ بِهِ) لَأَنَّهُ يُحِيْطُ بِجَوَانِبِ الرَّأْسِ، وَلَا يَضَعُوْنَ عَلَى رُؤُسِهِمْ شَيْئًا غَيْرَ الْمَحْفِيْفِ)].

الأسود رداؤهم وعصب الرأس سُنّتهم

يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى الطَّائِيُّ: [(وَأَمَّا مَلَابِسُهُمْ فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ يَلْبَسُ رِدَاءً أَسْوَدَ)]:

[(رِدَاء)] مفرد وجمعُه (أَرْدِيَة)، وهو كساءٌ يُلبَس فوق (الإزار) كالعَبَاءة ونحوها، ونقرأ شاهده في قول (تأبّط شرًا الفهميّ) يرثي صاحبه عَمْرًا: [لَعَمْرُوا فَتًى نِلْتُمْ، كَأَنَّ (رِدَاءَهُ)/ عَلَى سَرْحَةٍ مِنْ سَرْحِ دَوْمَةَ شَانِقُ(01)[(أَسْوَد)]، إشارةٌ إلى اللون المفضّل والمعتاد. و(الأسود) لَبِسَه رسولنا محمد – صلى الله عليه وسلم -، في الرداء والعِمامة معًا يعصب بها رأسه، ويُضفي على لابسه وقارًا وهيبةً؛(فعن جابر - رضي الله عنه - قال: دخلَ النَّبيُّ-صلى الله عليه وسلم- مَكَّةَ يومَ الفتحِ وعليْهِ عِمَامةٌ سوداءُ)(02)، وأهل ظفار يتخذون ملابسهم السوداء من الأقطان والكِتان بما يتناسب وطبيعة الطقس في بيئتهم؛ حتى لا يصيبهم (الاحترار) و(التعرّق)؛ (فعَن عائشةَ،-رضيَ اللَّهُ عنها-، قالت: صنَعتُ لرسولِ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- بُردةً سَوداءَ، فلَبسَها، فلمَّا عَرِقَ فيها وجدَ ريحَ الصُّوفِ، فقذفَها قالَ: وأحسبُهُ قالَ: وَكانَ تُعجبُهُ الرِّيحُ الطَّيِّبةُ)(03)، وقد كان (السواد) من ملابس الصحابة على عهد النبوّة؛ فمن مَرويّات أبوهريرة قوله:(إنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أنَّ أبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الحَدِيثَ علَى رَسولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم-، واللَّهُ المَوْعِدُ إنِّي كُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا، ألْزَمُ رَسولَ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- علَى مِلْءِ بَطْنِي، وكانَ المُهَاجِرُونَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بالأسْوَاقِ، وكَانَتِ الأنْصَارُ يَشْغَلُهُمُ القِيَامُ علَى أمْوَالِهِمْ، فَشَهِدْتُ مِن رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذَاتَ يَومٍ، وقالَ: مَن يَبْسُطْ رِدَاءَهُ حتَّى أقْضِيَ مَقالتِي، ثُمَّ يَقْبِضْهُ، فَلَنْ يَنْسَى شيئًا سَمِعَهُ مِنِّي فَبَسَطْتُ بُرْدَةً كَانَتْ عَلَيَّ، فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بالحَقِّ ما نَسِيتُ شيئًا سَمِعْتُهُ منه)(04).

مكونات الثوب الظَّفاري الرجالي

يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى الطَّائِيُّ: [(طَرَفٌ مِنْهُ يَتَّزِرُ بِهِ، وَالطَّرَفُ الْآخَرُ يَسْدِلُهُ عَلَى عَاتِقِهِ)].

[(طَرَفٌ مِنْهُ يَتَّزِرُ بِهِ)] الاتزار يكون بـ(الإزار) وهو من ملابس الرجال، ويسمّى عند أهل ظفار في لهجاتهم المحلية الحيّة بـ"الصبيغة أو “خرقَت”، ويرتديه الرجل في نصفه السُّفليّ (صيفًا)، وهو طويل ومتسع بما يكفي للالتحاف به على كامل الجسد (شتاءً) فيشدّه الظفاريّ على خصره، ثم يسحب بقيته ويتلحفُّ به على الجزء العلوي من جسمه، فيغطي الصدر والظهر، وفيه شيء من السُّنّة النبويّة، حيث يُباح للرجل طرح الجزء العلوي منه على كتفه أو لفّه أو تحريكه على جسمه بسهولة وحرية؛ أيْ[(يَسْدِلُهُ عَلَى عَاتِقِهِ)]، وهذا (السَّدل) غير مكروه، وتلك كانت إجابة الشيخ تقي الدين - رحمه الله – حين سُئِل عن (السَّدل) هل طرح القباء على الكتفين من غير أن يدخل يديه في أكمامه مكروه؟ فأجاب لا بأس بذلك باتفاق الفقهاء وقد ذكروا جواز ذلك. قال: وليس هذا من السدل المكروه; لأن هذه اللبسة ليست لبسة اليهود.وفي الحديث: (خرجَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ علَى مَشيخةٍ منَ الأنصارٍ بيضٌ لحاهم، فقالَ: يا معشرَ الأنصارِ! حمِّروا وصفِّروا، وخالِفوا أَهْلَ الكتابِ، قالَ: فقُلنا: يا رسولَ اللَّهِ! إنَّ أَهْلَ الكتابِ يتسرَوَلونَ ولايأتزِرونَ! فقالَ رسولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم-: تسَروَلوا وائتزِروا وخالفوا أَهْلَ الكتابِ، قالَ: فقُلنا: يا رسولَ اللَّهِ ! إنَّ أَهْلَ الكتابِ يتخفَّفونَ ولا ينتعِلونَ، قالَ: فتخفَّفوا وانتعِلوا وخالفوا أَهْلَ الكتاب قالَ: فقُلنا: يا رسولَ اللَّهِ إنَّ أَهْلَ الكتابِ يقصُّونَ عثانينَهُم ويوفِّرونَ سبالَهُم قالَ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ قصُّوا سبالَكُم، ووفِّروا عثانينَكُم، وخالفوا أَهْلَ الكتابِ)(05) (وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كتب إلى جيشه بأذربيجان إذا قدمتم من غزاتكم إن شاء الله تعالى فألقوا السراويلات والأقبية والبسوا الأزر، والأردية).

المحفيف الظَّفاريّ الشكل والتكوين

يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى الطَّائِيُّ: [(وَيَعْصِبُ جَوَانِبَ رَأْسِهِ بِسَيْرِ جِلْدٍ مَفْتُوْلٍ لَا يَقِلُّ طُوْلُهُ عَنْ ثَلَاثَةِ أَبْوَاعٍ يُسَمُوْنَهُ مَحْفِيْف؛ وَلَعَلَّ اِشْتِقَاقَهُ مِنْ (حَفَّ بِالشَّيءِ= أَحَاطَ بِهِ) لَأَنَّهُ يُحِيْطُ بِجَوَانِبِ الرَّأْسِ)].

- [(ويَعْصِبُ جَوَانِبَ رَأْسِهِ)] من (عَصَبَ الرأس)؛ أي (شَدَّهَا بخِرْقَةٍ أو عِمامةٍ ونَحْوِهِما)، وشاهدُها الشعريّ نقرأه عند (أُحَيحَة بنُ الجُلاح الأوسيّ)، قال يذكرُ أنّ الحُمّى تُصيبه إذا هجرته صاحبتُه: [(إِذَا مَا بِتُّ (أَعْصِبُهَا) فَبَاتَتْ/ عَلَيَّ مَكَانَهَا الْحُمَّى النَّشُولُ)(لَعَلَّ (عِصَابَها) يَبْغِيْكَ حَرْبًا/ وَيَأْتِيْهِمْ بِعَوْرَتِكَ الدَّلِيْلُ(06))]. و(عَصْبُ الرأس) سُنّة إسلامية فعلها سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – وتابعه فيها كثير من الصحابة ووردت في أكثر من حديث نبويّ شريف منها: (عن أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها - أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لمَّا فرَغَ منَ الأحزابِ، دخَلَ المُغتَسَلَ لِيغتَسِلَ، فجاءَ جِبريلُ عليه السَّلامُ، فقال: أوقد وضَعْتمُ السلاحَ، ما وضَعْنا أسلحَتَنا بعدُ، انْهَدْ إلى بَني قُرَيظةَ، فقالت عائشة: كأنِّي أنظُرُ إلى جِبريلَ عليه السَّلامُ من خَلَلِ البابِ قد (عصَبَ رأسَه) منَ الغُبارِ)(07)

- [(بِسَيْرِ جِلْدٍ مَفْتُوْلٍ)]، يُؤخَذُ من (جِلْد الحَمَلِ أو الغزال) لما يتمتع بها من الليونة، ثُم يُفْتَلُ بمهارةٍ لا يجيدها إلا أهّل (ظَفار)، ثُمَّ يُدْهنُ بعُصارة نبات (النِّيلة). [(لَايَقِلُّ طُوْلُهُ عَنْ ثَلَاثَةِ أَبْوَاعٍ)]، (أَبْوَاع) "جمُعٌ مُفردُه (بُوع)، وهو المسافة بين الكفّين إذا بسطتهما يمينًا وشِمالا، و(البَاع) و(البُوع) سواء، وهو قدر مد اليدين وما بينهما من البدن"(08)، وشاهده الشعريّ نقرأه عند أبي ذُئيب الهُذَليّ يصف جامع العسل وحِذْقًه: [فَلَوْ كَانَ حَبْلٌ مِنْ ثَمَانِيْنَ قَامَةً/ وَخَمْسِيْنَ (بُوْعًا) نَالَهَا بِالْأَنَامِلِ(09)]" [(يُسَمُوْنَهُ مَحْفِيْف؛ وَلَعَلَّ اِشْتِقَاقَهُ مِنْ (حَفَّ بِالشَّيءِ وأَحَاطَ بِهِ) لَأَنَّهُ يُحِيْطُ بِجَوَانِبِ الرَّأْسِ)]، و[(الْمَحْفِيْف)]:عِقَال ظَفاريّ مجدولٌ مصنوعٌ من جِلْد الحِمْلان (الماعز) أو (الغزلان) ويُصبَغُ بـ(النِّيلة)، ويتعمّمُ به الظَّفاريّ حول رأسه، وتحفُّه من نهاياته دوائر تتدلّى منها (عثاكل) ملفوفة تشدَّه وتتدلّى على كتف المُتَعَصِّب به.

الأسلحة التراثية في ظَفار

يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى الطَّائِيُّ: [وَيَشُدُّونَ أَوْسَاطَهُمْ بِخَنَاجِرَ عُمَانِيَّةٍ فِي الْغَالِبِ، وَسَلَاحُهُمْ (المَارْتِيْنِي)أَيْ الصُّمْعَا. وَيَحْمِلُونَ السُّيُوفَ الْمُصْلَتَةَ، أَيْ الْمَسْلُوْلَةَ مِنْ أَغْمَادِهَا، وَهِيَ السَّيْفُ العُمَانِيَّةُ.)]

"الخنجر" فارسيٌّ مُعرَّب

 [(وَيَشُدُّونَ أَوْسَاطَهُمْ بِخَنَاجِرَ عُمَانِيَّةٍ)]، (خَنَاجِر) جمع، ومفردها (خِنْجَر)، سيف صغير من الحديد، فارسيٌّ مُعَرّب، وهي مُركّبة من (خون hun) بمعنى (دَمٌ)، وكلمة (گر gar) بمعنى: (المُنَفِّذ)(10). والخِنْجرُ سكينٌ كبير، وشاهدها من حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن أنس بن مالك "أنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ اتَّخَذَتْ يَومَ حُنَيْنٍ خِنْجَرًا، فَكانَ معهَا، فَرَآهَا أَبُو طَلْحَةَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، هذِه أُمُّ سُلَيْمٍ معهَا خِنْجَرٌ، فَقالَ لَهَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: ما هذا الخِنْجَرُ؟ قالَتْ: اتَّخَذْتُهُ إنْ دَنَا مِنِّي أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ، بَقَرْتُ به بَطْنَهُ، فَجَعَلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَضْحَكُ، قالَتْ: يا رَسولَ اللهِ، اقْتُلْ مَن بَعْدَنَا مِنَ الطُّلَقَاءِ انْهَزَمُوا بكَ؟ فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: يا أُمَّ سُلَيْمٍ، إنَّ اللَّهَ قدْ كَفَى وَأَحْسَنَ"(11).

الخناجر الظفارية قبلية أو جنوبية

 [(الخناجر العُمانيّة)] في ظفار تكون على شكل؛ "سكين حادة معكوفة لها جرابٌ مُزّيَّن، ومُحَلَّى بالفِضَّة، ومِقبض رأس من العاج، أو قرنٌ خاصٌ مُتصلة بحزامٍ فضيٍّ أو مُزركش لحمله وربطه حول الوسط، وتمتاز الخِنْجَر الظفاريّة بأنّها طويلة وتُعرف بـ(القبلية)، ومقابضها تشبه مقابض خناجر العُمانيين في (ساحل الباطنة) و(نزوى) و(صُور) وتتوسطها صفيحة فِضّية صغيرة من جِهة الأمام على شكل عمود غير منقوشة. ورأس مقبض الخِنْجر له شكلان، أَمَّا الشكل الأول فهو مِقبضٌ من غير نقوش، ومُزَينٌ بـصفائح الفضة وتسمى (الشماريخ)، أمَّا النوع الثاني من المقابض؛ فهي مُزينة من المُنتصف بصفيحة من الفضة ومستطيلة ملفوفة دائريا حول منتصف المقبض. ويُزَيَّنُ المقبض بنجمتين بارزتين تُسَمَّى (الشمس)، فأمّا النجمة الأولى تتموضَعُ في مقدمة رأس المقبض وأمّا النجمة الأخرى فتُثَبَّت عند نهاية المقبض.وأما غِمْد الخِنجَر الظفاريّة فتُنقَش بَنَقْشٍ يُسمَّى (القلع). وتُلبَس وفوقها (المحزم/ حزام)، الذي قد يُستخدَم لحفظ (رَصَاص البنادق)، وهو مُبطّنٌ من الداخل بالقماش أو المَخمَل"(12)

بندقية الصُّمْعَا الظَّفارية

-[(وَسَلَاحُهُمْ (المَارْتِيْنِي) أَيْ الصُّمْعَا)]؛ عادةً ما كانَ الرجال الظفاريون "يحملون معهم البنادق، ويلبسون أحزمتهم المليئة بالذخيرة، فوق الخنجر في وسطهم"(13) وتعدُّ (بندقية مارتيني هنري البريطانية الصُنع) هي الأكثر شهرةً بين قبائل ظفار، وقد أصدرت منها مصانع السلاح الكثير من الموديلات على مر السنين. لكن من "الملاحظ أن التسميات الشعبية لـ(بندقية مارتيني) في منطقة الخليج هي التي سادت بين السكان المحليين، وارتبطت البندقية بالاسم المحليّ المشتق من إحدى العلامات المميزة في البندقية سواء في (صحيفة الرصاص) أو على (السبطانة) أو (الخشبة) أو (دقة الإصابة)، وذلك بدلا من التسميات المَصْنَعِيَّة التي ارتبطت برقم الموديل أو مكان الصِّناعة وسُميت في اللهجات الخليجية الدارجة بأسماء أخرى مثل: (مَرَّتَيْن، مَرْتِيْن، مارتيني، مرت، الميري، المارتيل) بدلا من (المارتيني) وتغنَّى الشيوخ والحُكام والشعراء والمحاربون بجودتها ودِقَّة إصابتها في أشعارهم وأهازيجهم الحربية ودورها بتحقيق انتصاراتهم واستخدموها في رقصاتهم الحربية ومناسبتهم الاجتماعية، واشتُهر منها في عُمَان خمسة أنواع هي:(أ)بندقية المارتيني القصيرة (صمعاء) مكتوب على قَصَبَتِها (مارتين مسقط) باللغة الإنجليزية، وقد تكون مصنوعة خِصِّيصا لـ(سلطنة مسقط وعُمان) ومكتوب على الجهة اليسرى من صحيفة الرصاص عبارة:(ما شاء الله). (ب)بندقية المارتين البلجيكية وهي تقليد للإنجليزية وتسمى في عُمان باسم (سُلطاني) نسبةً لسلاطين مسقط. (ج)بندقية المارتين أم نصف خشبة، ومنها القصيرة والطويلة، وسميت بذلك لأن خشبها لايغطي نصف قصبتها. (د)بندقية المارتين القصيرة الإنجليزية والمشهورة باسم [فرنج] نسبة للإنجليز، وتُعدُّ من أقدم وأهم البنادق التي عرفها عرب الجزيرة العربية. (هـ) بندقية المارتين الصمعاء منها الطويلة والقصيرة وسميت بذلك لأنها لاتحتوي على أي إشارة أو علامة مميزة على قصبتها. والطويل منها هي المفضلة شعبيًا"(14)

أنواع السيوف الظفارية

-[(وَيَحْمِلُونَ السُّيُوفَ الْمُصْلَتَةَ، أَيْ الْمَسْلُوْلَةَ مِنْ أَغْمَادِهَا، وَهِيَ السَّيْفُ العُمَانِيَّةُ)]؛ فسكان (جبل القرا) عادةً ما "يحملون سيفًا ذا حدّين (من النوع المستدير)، وهذا السيف هو الذي يميزهم عن غيرهم من عرب شبه الجزيرة، بالإضافة إلى (نوع عريض مستقيم من العصي)، والذي (يُستخرج من الأخشاب الثقيلة جدًا التي لاتنمو إلا في منطقة ظَفار، وهو لثقله يُغَطَّس في الماء)، وهذه العصي يُجيد أهل ظفار استعمالها، وعلى الأخص بين القبائل (التي تسكن الجبال)؛ الذين يحملون البنادق، ولكن (العُرْف) لا يُلزمهم بحمل السيف ذي الحدين، ويكفيهم السيف ذي الحد الواحد، كما إنهم يحملون (العصي العادية) بدلا من العِصِي العريضة"(15)، والمقصود بـ(السُّيُوفَ الْمُصْلَتَةَ)، أي: المجردة من أغمادها، وهي اسم مفعول من (صَلَتَ)، وشاهدها نقرأه عند الشنفرَى الأزديّ، يصف فيه شجاعة تأبّط شرًّا الفهميّ في القتال وحمله السيوف الصَّقَيْلَة: [(تَرَاهَا أَمَامَ الْحَيِّ حِيْنَ تَشَايَحُوا/ لَدَى مَنْكِبَيْهَا كُلُّ أَبْيَضَ (مُصْلَتِ)(16)]. و[(الْمَسْلُوْلَةَ مِنْ أَغْمَادِهَا)]؛ تفسير من الشيخ عيسى الطائيّ لكلمة (الْمُصْلَتَةَ)؛ أي المنزوعة في رفق وخِفّةٍ، و(الْمَسْلُوْلَةَ) اسم مفعول من (سَلَلَ)، ونقرأ شاهدها في شعر الأعشى بن النبّاش التميميّ: [ثَقْفٌ كَلُقْمَانَ، عَدْلٌ فِي حُكُوْمَتِهِ/ سَيْفٌ، إِذَا قَامَ وَسْطَ الْقَوْمِ، (مَسْلُوْلُ)(17)]، وأمّا قول الطائي: [(أَغْمَاد)]، فهي جمعٌ وتُجْمَع أيضًا على [(غُمُد)] بضم الغين المعجمة والميم، ومُفردُه (غِمْد)، وهو (غِلاف السّيف) الذي يُحْفَظُ فيه، ونقرأ شاهدُه في شعر أبي ذُؤيب الهُذَليّ: [حَتَّى إِذَا فَارَقَ (الْأَغْمَادَ) حِشْوَتُهَا/ وَصَرَّحَ الْمَوْتُ، إِنَّ الْمَوْتَ تَصْرِيْحُ(18)]

مكاييل ظفار "الْمَنِّ" و"الْمَكُوك"

يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى الطَّائِيُّ: [(وَعِنْدَهُمْ كَثِيْرٌ مِنَ الْعَوَائِدِ الْعُمَانِيَّةِ كَـ(الْمَنِّ)، وَهُوَ الْوَزْنُ الْمَعْلُوْمُ فِإنَّهُ نِزْوِيّ، وَكَذَلِكَ (الْمَكُوك) تَسْمِيَةً وَمِقْدَارًا فِي الْكَيْلِ. وَلَعَلَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ سَرَتْ إِلَيْهِمْ مِنْ (آلِ يَعْرُبَ) وَقْتَ اِحْتِلَالِهِمْ ظَفَارِ كَمَا ذكَرْنَا ذَلِكَ)].

أمّا (المكاييل) التي كانت شائعة الاستعمال في ولاية ظفار في هذا الزمان؛ فهي نوعان: (الْمَنِّ) (الْمَكُوك)؛ فأمَّا[(الْمَنِّ)، وَهُوَ الْوَزْنُ الْمَعْلُوْمُ فِإنَّهُ نِزْوِيّ)]، و(الْمَنِّ) مفرد وجمعُه (أَمْنَان)، و"كان (الْمَنِّ)، ذو الـ260 درهمًا (812.5 غم) يُعرَفُ بالرطل، وفي أواخر العصور الوسطى عُرِفَتْ أوزانٌ أخرى لـ(الْمَنِّ)، في مكة سنة 1320هـ، وكان (الْمَنِّ) من اللحم = 6.3 رطل مصري= 3 كيلو جرامات، وفي الفترة ما بين 1327هـ - 1346هـ كان (الْمَنِّ) من القمح والعسل والتمر = 3 أرطال مصرية = 1.35 كيلو جرام، وكان (الْمَنِّ) = رطلين بغداديين، وكل رطل = 113 درهمًا أي إنه كان يزن 812.5 غم، وحتى حوالي سنة 1410هـ كان (الْمَنِّ) الذي يزن 260 درهمًا هو الوحدة الثابتة، والـ(10 أمنان) تساوي 1/20 فراسلة Farasilah من البهار"(19)، وأمّا [(الْمَكُوك) تَسْمِيَةً وَمِقْدَارًا فِي الْكَيْلِ]، (الْمكُوك) مفرد جمعُها: (مَكاكيك)"وِحْدَة (كَيْل) تُستعمل في وزن الغِلال من الحبوب ونحوها، والمكوك الظفاريّ يعادل 96 كيلو جرام"(20)، وكان (المَكُوك) في العراق، وخاصةً في بغداد والكوفة في القرن العاشر = 3 (كيلجات)، وكل (كيلجة) = 600 درهم. والـ(كيلجة) مكيال – نظنه - فارسي الأصل؛ أي إنه كان يعادل وزنًا من الحنطة قدره 5.625 كيلو جرام، وكان يساوي في العراق في القرن العاشر 0.5 مكوك = 600 درهم من القمح = 1875 جرام = 2.5 لتر، وفي رواية المقدسي = (مَنَينِ) اثنين (1625) جرام، وعند الرازي = 1/3 مكوك أو 5 أرطال (2031.25) جرام، وفي (البصرة) و (واسط) كان المكوك الواحد يعادل وزنًا قدره 7.5 (مَنّ) أو 15 رطلا، وكل رطل = 128 درهمًا = 6 كيلو جرامات. ومن جهة أخرى يتحدث المقدسي عن (مَكُوك) بين النهرين فيقول: إنه يعادل 15 رطلا أو 6.074 كيلو جرام من القمح، وفي قول الرازي كان (المَكُوك) الواحد في العراق = 1/8 (قفيز) أي 6.084 كيلو جرام، أي أنّ متوسط سعة (المَكُوك) 7.5 لتر، وكان (مَكُوك) النبيذ = 48 ثُمُنًا، وكل ثُمُن = 50 درهما، وفضلا عن ذلك كان (المشقاع) يكيل 1/14 (مَكُوك) من (مكاكيك) ديار ربيعة؛ أي 37.5 درهمًا من (النبيذ)، أي أن كُلًا من (المَكُوك العراقي)، و(المَكُوك في الجزيرة) كان يساوي 7.5 لتر، أمَّا(مَكُوك الموصل) في قول ابن الأثير (ج2، ص9) كان يساوي 1/14 غرارة دمشقية أي حوالي 14.6 كيلو جرام من القمح = 33.75 رطلا من الطحين = 13689 جرام، وبذلك كانت سعته كمكيال تساوي 18.8 لترًا".(21)

تأثير اليعاربة في ظفار

- يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى الطَّائِيُّ [(وَلَعَلَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ سَرَتْ إِلَيْهِمْ مِنْ (آلِ يَعْرُبَ) وَقْتَ اِحْتِلَالِهِمْ ظَفَارِ كَمَا ذكَرْنَا ذَلِكَ)].

في قول شيخنا عيسى الطائي: (هَذِهِ الْأَشْيَاءَ سَرَتْ إِلَيْهِمْ) إشارة منه إلى بعض التأثيرات الثقافية لـ(دولة اليعاربة) إبان احتلالهم لظفار، وخاصةً في جانبٍ من (التراث الماديّ) وبعض (عوائد الحياة اليومية)، ولذا استعمل: (لَعَلَّ) التي تفيد معنى (الظَّنّ) للتأكيد على أنه لا دليل قاطع ثابت على تأثير اليعاربة في أهل ظفار ثم ساق إلينا شُبهات التأثير في معرض كلامه على سبيل (الاحتمال/ الظن) وذلك لانتفاء الدليل الماديّ أو النقليّ أو العقليّ القاطع، على التأثر والتأثير المتبادل. وربّما قرينة الاتفاق والتوافق بين (أهل ظفار وداخلية عُمان) في استعمال نوع واحد من (المكاييل والأوزان في هذا الزمان والمشتهرة بين ظهرانيهم بـ[المَكاكيك] و[الأمْنان]، وكذلك التحزّم بـ[السيوف المسلطة المستقيمة ذات الحدَّين]، أيام دولة اليعاربة. حمل شيخنا الطائيّ على استخدام (لعلّ) على وجهها (الظنيّ).

ومن نافلة القول الإشارة إلى تولّي حكم (ظفار) اثنان من الولاة الفُقَهاء الأجِلّاء وهما:(الشيخ درويش بن جمعة المحروقيّ) و(الشيخ عامر بن محمد المعمريّ)؛ وذلك في عهد (سلطان بن سيف اليعربيّ).

يُتْبَع....

*****

المراجع والمصادر:

([01]) ديوان تأبط شرا وأخباره، جمع وتحقيق: علي ذو الفقار شاكر، دار الغرب الإسلاميّ، بيروت، ط1، 1984م، ص: 123

([02]) الراوي: جابر بن عبدالله، المحدث: الألباني، المصدر: صحيح الترمذي، ص أو رقم: 1735، خلاصة حكم المحدث: صحيح، أخرجه مسلم (1358)، وأبو داود (4076)، والترمذي (1735) واللفظ له، والنسائي (5345)، وابن ماجه (2822)، وأحمد (14947)

([03]) الراوي: عائشة أم المؤمنين، المحدث: الألباني، المصدر: صحيح أبي داود، ص أو رقم: 4074، خلاصة حكم المحدث: صحيح

([04]) الراوي: أبو هريرة، المحدث: البخاري، المصدر: صحيح البخاري، ص: أو رقم: 7354، خلاصة حكم المحدث: صحيح

([05]) الراوي: أبو أمامة الباهلي، المحدث: الألباني، المصدر: جلباب المرأة، ص: أو رقم: 185، خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن حسنٌ رجاله كلهم ثقات غير القاسم وهو حسن الحديث، أخرجه أحمد (22337)، والطبراني (8/ 282) (7924)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (6405) باختلاف يسير

([06]) الشعراء الجاهليون الأوائل، تحقيق: عادل الفريجات، دار المشرق، بيروت، ط2، 2008م، ص: 449

([07]) الراوي: عائشة أم المؤمنين، المحدث: شعيب الأرناؤوط، المصدر: تخريج المسند لشعيب، ص: أو رقم: 24994، خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح على شرط مسلم، أخرجه أحمد (24994) واللفظ له، وعبد بن حميد (1486)، والطبراني (23/ 38) (96)

([08]) لسان العرب، ابن منظور، دار صادر، بيروت، ط3، 1414هـ، 8/ 21

([09]) العادات العمانية، سعود العنسيّ، وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عُمان، ط1، 1991م، ص: 170

([10]) الجواليقي، المُعرّب، 40؛ أدّي شير: 1988: 57، العنسي|: 1932: 25، شوشتري: 1963: التنوجيّ 2005: 245

([11]) الراوي، أنس بن مالك، المحدث: مسلم، المصدر: صحيح مسلم، ص أو رقم: 1809، خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

([12]) موقع خنجر بتصرف: https:/ / www.khanjar.om/ Types_ar.html

([13])العادات العمانية، سعود العنسيّ، ص: 170

([14]) تاريخ بندقية المارتيني،صحيفة الجزيرة السعودية،العدد:(16104)، الإثنين، 30 من محرم 1438هـ -31 أكتوبر2016/ بندقية المارتين، يعقوب يوسف الإبراهيم، صحيفة القبس الكويتية، العدد (13264) ص، 29 الإثنين 1431-5-19هـ/ تجارة السلاح في الخليج العربي 1297هـ-1333هـ، 1879-1914م، أ.فاطمة بنت محمد الفريحي، إصدارات دارة الملك عبدالعزيز 1424هـ/ موسوعة التراث الشعبي في المملكة،ج3،باب(الأسلحة القديمة- الفروسية والخيل- الصيد والمصائد)،عباس محمد زيد العيسى، ط2، 1425هـ، وكالة الآثار والمتاحف وزارو التربية والتعليم.

([15]) البلاد السعيدة، برترام توماس، ترجمة: محمد أمين عبدالله، وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عُمان، 1981م، ص: 97

([16]) شعر الشنفرى الأزدي، شرح: محاسن الحلبيّ، تحقيق وتعليق: خالد عبد الرؤوف الجبر، دار الينابيع، عَمّان، ط1، 2004م، ص:101

([17]) كتاب نسب قريش: المصعب بن عبد الله الزبيري(ت، 236هـ)، نشره لأول مرة وعلّق عليه: إ.ليفي بروفنسال، دار المعارف، القاهرة، ط3، 1982م، ص: 404

([18]) ديوان أبي ذؤيب الهُذَليّ، تحقيق: أحمد خليل الشال، مركز الدراسات والبحوث الإسلاميّة، بورسعيد، ط1، 2014م، ص: 80

([19]) المكاييل والأوزان الإسلامية وما يعادلها في النظام المتري، ڤالتر هنتس، ترجمة: د. كامل الغسلي، دليل الاستشراق، مج1، كراس1، منشورات الجامعة الأردنية، عَمَّان، آب، 1970م، ص ص: 14، 45، 46

([20]) الموسوعة العمانية: 9/ 2426

([21]) المكاييل والأوزان الإسلامية وما يعادلها في النظام المتري، ص ص: 71، 78

الأكثر قراءة