حمود بن علي الطوقي
كنَّا نتحدث مع مجموعة من الأصدقاء حول القرار الأخير (المُؤقت) الذي أصدرته وزارة العمل كإجراء ضروري لتنظيم سوق العمل، خاصة فيما يتعلق بـ13 مهنة مُحددة يعمل فيها حوالي 600 ألف وافد. هذا القرار، الذي يمتد لفترة 6 أشهر مع إمكانية التمديد، يُتيح للشركات تجديد مأذونيات العمالة المنتهية، مع مرونة الوزارة في دراسة طلبات المشاريع الجديدة على أساس كل حالة على حدة.
الهدف من هذا القرار كما ذكر لي سعادة السيد وكيل وزارة العمل لتنمية الموارد البشرية ليس تعمين هذه المهن، كما تناقله البعض وعدم قراءتهم للقرار بشكل صحيح؛ إذ إنَّ القرار يهدف إلى تنظيم السوق والحد من ظاهرة التجارة المستترة. كما يفتح المجال أيضًا للعمالة المخالفة لتصحيح أوضاعها خلال هذه الفترة، مما يساهم في تقليل المخالفات وزيادة الامتثال للقوانين.
وتأتي جهود وزارة العمل في تنظيم سوق العمل كخطوة حاسمة لضبط الأوضاع الاقتصادية والحد من الممارسات غير القانونية؛ حيث أصبحت "التجارة المستترة" أو استغلال العمالة الوافدة في إدارة الأعمال بعيدًا عن رقابة أصحاب العمل من المواطنين، ظاهرة متفشية تهدد الاقتصاد الوطني ولا تُقدم قيمة محلية مضافة حقيقية.
هذه الظاهرة أصبحت تُلازمنا وحان الوقت لبترها، لقناعة الجميع بأنها ضارة بالمنظومة الاقتصادية. كلنا أصبحنا نعرف أنَّ العامل الوافد لم يأتِ إلينا من العدم؛ بل جاء بإرادتنا، فنحن- المواطنين التجار- من وفّر له السُبل القانونية لكي يدخل البلاد، وبسبب جشعنا وخرقنا للقوانين جعلناه يعمل حيثما يشاء، مُقابل مبلغ ضئيل يدخل في جيب صاحب العمل (اسمًا وليس فعلًا)!!
هذه الحقيقة يجب أن تكون حاضرة ونحن نناقش مجموعة من التحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني بسبب التجارة المستترة. وقد قلت مرارًا- وما زلت أقول- إنه لا مجال لمُعالجة تشوهات سوق العمل إلّا بوجود تشريعات وقوانين صارمة تحد من هذه الظاهرة. كلنا نعلم أن من يقف وراء انتشارها هم تجار وهميون، أقل ما يمكن أن نُطلق عليهم أنهم تُجّار بيع المأذونيات.
هذه التجارة ما زالت تتفاقم ولا بُد من ضربة حديدية لتحطيمها وبناء منظومة جديدة لمُعالجة الأخطاء السابقة وتشوهات سوق العمل. وكوننا نناقش بين الفينة والأخرى الآثار السلبية للتجارة المستترة، فقد لاحظنا أن القرار الأخير لوزارة العمل يقدم حلولًا مُرضية للأطراف ذات العلاقة لتنظيم هذا السوق. وكما ذكرت في مطلع المقال، لا بُد من تشريع، وأُجزم أنه في حالة صدور مرسوم سلطاني بتجريم التجارة المستترة، سنكون قد وضعنا المفصل على المقصل، والدواء على الجرح، وبذلك سنصل إلى حل جذري لمعالجة أحد التحديات التي واكبت قطاع العمل والأعمال على مدار السنوات الماضية.
وكمتابع لهذا الملف الشائك، أقول دائمًا إنه لابُد من تشريعات وقوانين رادعة تحد وتضيّق على ممارسي هذه الظاهرة التي أصبحت تُمارَس علنًا وفي وضح النهار. سبق لي أن تناولت في مقالات سابقة المشاكل والتحديات التي تواجه الجميع، وكلنا على علم بأنَّ الوافد هو من يُدير التجارة والمواطن ليس إلا مجرد اسم يَستغِل ويرضى بقليل من الريالات مقابل ما يجنيه الوافد من آلاف الريالات، كلها تُحوَّل إلى الخارج دون قيود أو ضرائب.
أجدني أكتب من جديد في هذا الموضوع بعد صدور القرار الأخير لوزارة العمل بهدف تنظيم سوق العمل، وقناعتنا بأن هناك حاجة لتغيير المسار ليكون المواطن هو من يُدير تجارته، بينما الوافد جاء لكي يعمل مُقابل راتب شهري، والقانون يُحدد حقوقه وواجباته. ربما لا بُد من مناقشة هذا الملف من خلال مجلسي الدولة والشورى لوضع حلول قابلة للتطبيق والتنفيذ لمعالجة هذه الظاهرة، ونتمنى كمجتمع أن يصدر قانون يكون حاسمًا وبنوده جادة في معاقبة المخالفين، وأن نرى مُستقبلًا فيه تجانس بين أطراف الإنتاج ذات العلاقة.
إنَّ محاربة هذه الظاهرة تتطلب تعاون الجميع؛ مواطنين وتجارًا ومسؤولين، لرسم خارطة طريق جديدة قادرة على توجيه البوصلة نحو تعزيز مكانة التاجر العماني وفتح آفاق اقتصادية جديدة أكثر رحابة.
ختامًا.. نتمنى أن تكون هذه القرارات بداية لتشريعات أقوى تضمن تنظيمًا أكثر فعالية لسوق العمل، وتحد من الممارسات الضارة التي تعيق تقدم الاقتصاد الوطني.