من الجبل الأخضر.. مع التحية!

 

سالم بن نجيم البادي

من ولاية الجبل الأخضر أكتب هذه المرة وفي ساعة متأخرة من الليل وأنا على ضفاف بركة السباحة الصغيرة في "شاليه صفة"، وهذا اسم الشاليه وأظنه مشروعًا شبابيًا طموحًا، وإن كان صغيرًا، إلّا أنه يدُل على شغف الشباب العُماني على العمل والابداع؛ حيث وُظِّفَت التكنولوجيا في هذا الشاليه واختير المكان بعناية في ربوة وبعيدًا عن الضجيج وهدير أصوات السيارات، ومع أنني أمضيت الليل ساهرًا لكنني حظيت بليلة مريحة وهادئة، وهذا ما كنت أحتاجه بعد أيام من الإرهاق ولا عجب في ذلك.

في حضرة كل هذا الجمال تهدأ النفس ويرتاح البال، وأنا الهارب من صهد الشمس إلى الطقس المعتدل وأشجار الخوخ والمشمش والزيتون والرمان والعنب والجوز وحقول الورد والماء والاخضرار الممتد في كل الاتجاهات. وللوهلة الأولى، وحين تصل إلى الجبل الأخضر، سوف يُخيَّل إليك أنك خارج عُمان أو حتى خارج الجزيرة العربية وأنك في إحدى دول البحر الأبيض المتوسط.

الناس في الجبل يتميزون باللطف والطيب والأخلاق الراقية والسمت والكرم والترحاب والبشاشة، فلا تستغرب إن وجدتَ من يدعوك لزيارته في بيته وهو لا يعرفك. وحين دلفت الى المسجد وقت الصلاة، وجدته وقد امتلأ بالناس، وهم يقرأون القرآن بخشوع وسكينة، وعندما قضيت الصلاة لم ينصرفوا؛ بل التفوا حول الشيخ في حلقة واسعة يجلسون يذكرون الله ويتدارسون امور دينهم، حتى يأتي وقت الصلاة التالية. ولا شك أن هذا هو حال الناس في معظم المساجد.

رافقنا مرشد سياحي دمث الاخلاق، طاف بنا معظم أرجاء ولاية الجبل الأخضر وأخذنا إلى أحد مصانع تقطير الورد بالطريقة التقليدية في بيت تراثي قديم، وشرح لنا صاحب المصنع طريقة التقطير وذكر لنا استخدامات ماء الورد؛ حيث يضاف إلى بعض الأطعمة وإلى القهوة والشاي ويدخل في صناعة الحلوى العُمانية ويستخلص منه دهن الورد ويمكن استخدام الورد للبشرة والشعر.

وفي الجبل الأخضر جمال طبيعي لا يوصف، ومناظر خلابة ومدرجات خضراء وقرى صغيرة متفرقة مأهولة بالسكان وأخرى مهجورة، وبيوت طينية تحولت إلى أطلال، وبعض البيوت القديمة بقيت شاهدة على عزيمة الإنسان وقدرته على تحدي الصعاب. كما توجد عيون ماء تنبع من أعماق الجبل وأفلاج وشلالات صغيرة وأودية سحيقة وقمم شاهقة، وبعض الفنادق الفارهة التي يقصدها الأثرياء والاستراحات والشقق الفندقية، وشاهدنا بعض الفنادق قيد الإنشاء.

الجبل الأخضر مكان فريد ومدهش ومذهل وساحر وصار وجهة سياحية مفضلة لعامة الناس ولمشاهير الخليج ولكبار القوم، وبقيت نقطة الأميرة الراحلة ديانا شاهدة على ما نقول. لكن هناك حاجة لوجود المزيد من الفنادق والشليهات والشقق المفروشة على أن تكون أسعار الإيجار في متناول الجميع والمقاهي والمطاعم الراقية؛ وذلك بتعاون مختلف الجهات الحكومية والقطاع الخاص والأفراد وجلب الاستثمارات من الداخل والخارج لجذب المزيد من السياح مع تنفيذ حملات إعلانية جاذبة ومبهرة تقوم بها شركات متخصصة في الإعلان والتسويق والترويج، لتعريف الناس حول العالم بالمقومات السياحية التي يتميز بها الجبل الأخضر. وتنبغي إقامة فعاليات وأنشطة ثقافية ويمكن إقامة أمسيات شعرية يُدعى إليها كبار الشعراء، مع تنظيم ندوات وقراءات نقدية واستضافة الأدباء والكتاب، وإقامة مهرجانات للمسرح ومعارض الفنون التشكلية.

وفي المجال الرياضي، يُمكن إقامة المباريات المُهمة والمسابقات الرياضية المختلفة والتسويق لرياضة الهايكنج وتسلُّق الجبال وسياحة المغامرات ودعوة مشاهير كرة القدم للإقامة في الجبل الأخضر والترويج السياحي له. ويمكن أن تُقام مهرجانات سنوية مثل تلك التي تقام في صلالة في موسم الخريف، أو مسقط في الشتاء. كما يُلاحظ غياب "التلفريك" مع أهميته البالغة، وكل ذلك بنبغي أن يتم وفق خطة تمتد طوال أيام السنة مع مراعاة عادات وتقاليد سكان الجبل الأخضر، عند إقامة هذه الأنشطة والفعاليات.

بعض الأماكن تحتاج إلى زراعة المزيد من الأشجار المحلية حتى يظهر الجبل الأخضر وكأنه غابة واحدة كبيرة وممتدة. وكما علمت أنه يمكن التوسع في زراعة أشجار الفواكه التي تتلائم مع أجواء الجبل الأخضر، حتى يصير الجبل الأخضر جنة على الأرض، وهو كذلك حقًا، وحتى تُصدَّر هذه الفواكه إلى الخارج وتصبح لها سمعة واسعة، مع عدم المبالغة في الأسعار، والخير في النهاية سوف يعود إلى سكان الجبل الأخضر وإلى الاقتصاد الوطني.

إن الجبل الأخضر جدير بأن يفِد إليه ملايين السياح في كل الفصول، وهو مؤهل لذلك ويزخر بكل المقومات السياحية الطبيعية التي تجعل منه أحد أجمل وأكبر منتجع سياحي مفتوح في العالم.

الأكثر قراءة