إسماعيل بن شهاب البلوشي
لستُ على علمٍ مُطلق بأنَّ حفيت بَقِي اسمًا لم يتغيَّر على مر الأزمان، غير أنَّني -وعندما أمرُّ على هذا المكان، خاصةً عند شروق الشمس- أحاول التأمُّل في شكل هذا الجبل الذي يرقُد مُنفردًا تتقاسمه اليوم عُمان والإمارات الشقيقتان، بشكله الذي يُوحِي بكثير من الحقائق التاريخية، وقد يكون به من الأسرار ما لم نعلمه إلى اليوم.
حفيت، أو كما يَطِيبُ لي أن اسمِّيه "الحوت"، لأنَّ شكله وكأنك أمام لوحةٍ صاغها فنانٌ قدير، بشكله الانسيابي والزعانف وجسمه الرئيسي، وسواء كان الحوت أو حفيت فإنَّ ارتباطه ووجوده كجسر يربط القلوب والجغرافيا، هو أمرٌ جميل، ويبدو لي أنه في غاية الأهمية من نواحٍ عدَّة. لقد سعدتُ كثيرًا عندما علمتُ أنَّ هذا الجبل سُميت باسمه شركة القطارات المشتركة بين عُمان والإمارات. وهذا الانتقاء الجميل لهذا الاسم سيربط الجغرافية العمانيةُ والإماراتية، ليس اسمًا فقط، وإنما تجسيدًا وتعميقًا للأخوة بينهما، والتي لا يمكن لمخلوقٍ على وجه الأرض أن يكتب فيها أي شيءٍ يُغيِّر من أصالتها.
ذكرتُ في كثيرٍ من المواقف في كتاباتي ومقاطع الفيديو أنَّ التاريخ العُماني، ومشاركة كل من حولهم، هو مجال للمحبة وجمع الكلمة والأخوة والاعتزاز بماضٍ سيحتاج للأجيال أن تكتب فيه وتتعمَّق فيه لتعلم أن آباءهم وأجدادهم كتبوا في تاريخ الكون صفحاتٍ مُشرقة لم نتقصَّ ولو حتى الجزء اليسير منها. التاريخ الذي بنى فيه أهلُ هذه المنطقة تحت راية العز والشرف والأخوة تلك الراية باللون الأحمر.
إنَّني -ومن خلال منبر جريدة "الرؤية" الغرَّاء- أدعو من له هواية في تقصِّي التاريخ لأن يستفيد من هذه المادة الدسمة المشرِّفة التي يمكن من خلالها كتابة المجلدات. فقد ذكرتُ يومًا أنَّ الأسطول العماني -وبالإثباتات والحقائق، ومذكرات الأعداء والأصدقاء- استطاع في يومٍ من الأيام أن يكون قمَّة القوة على مستوى العالم بأسطولٍ يتعدَّى قوامه الـ30 سفينةٍ حربية، وكلٌّ منها تحمل أكثر من 40 مدفعًا، وعندما اقتفيت هذا التاريخ وجدت أنه شراكة مشرِّفة وحقيقية كانت بين أهل المنطقةِ جميعًا، بقيادة أئمة وسلاطين عُمان.
هنا.. أتوقفُ ليعلم كل من يهمه أمر المنطقة أنَّ هذا الإجماع كان حتميًّا ووجوديًّا بسبب التحديات والأطماع، ولعلم الجميع فإنَّ المصير واحد، والهدف واحد، والمصلحة واحدة، وأنَّ التاريخ حتمًا سيُعيد نفسه، ونحن اليوم وغدًا بحاجة إلى كل كلمةٍ تجمع الفكر والمصلحة والهدف والأخوة وإلى الأبد، نحن وبدون أي مزايدة نشترك ملبسًا وطعامًا ولغةً ومفرداتٍ وعاداتٍ وتقاليد؛ بل وقواسم تاريخية عظيمة لديَّ فيها ما يُوثِّق هذا التاريخ من خلالِ المراجع الموثوقة. ولقد اشتركنَا جميعًا في صدِّ الأعداء وفي الفتوحات التاريخية على مستوى العالم.
إنَّ تاريخ عُمان ليس مَجَالًا للاقتسام؛ بل هو مجالٌ خَصْب للأخوةِ المترفعة بندَّيةٍ مُطلقة بين هؤلاء الذين كتبوا من التضحيات ما يشيب لها الطفل، وما هي سوى مدرسة مكتملة الأركان تعدُّ من أفخر ما يكون للشعوب منطلقًا للفخر والعزَّة والقوة، تاريخ الأوطان الذي بناه الرِّجَال الشوامخ، يجب علينا جميعًا أن نقف أمامه إجلالًا وتقديرًا، وهدفًا قوميًّا لعزة الأمة.