خلفان الطوقي
العالم في تغير مُستمر، والسرعة الهائلة في التغير هي السمة الملحوظة، وزادت وتيرتها أثناء وبعد الأزمة العالمية "كوفيد-19"، وقد استوعبت معظم الدول الدرس القاسي، وحاولت إعادة التموضع الأمني والسياسي والاقتصادي والتكنولوجي وغيرها من نواحي من خلال تشريعاتها وسياساتها وإجراءاتها ومبادراتها، لكن ما يُميِّز دولة عن أخرى، سرعة التفاعل وتفعيل ما تم إقراره، فهناك دول سريعة وأخرى أقل سرعة، وهناك دول بطيئة!
بعد هذه المقدمة، من المناسب لعُمان أن تُسرع الخطى لتبنِّي مبادرات مبتكرة وجرئية، وتبدأ من حيث انتهى الآخرون، وتبنى على مبادرات الآخرين، وتتفوق عليهم، ولم لا.
أولى هذه المبادرات التي بدرت في ذهني، وعُمان مؤهّلة لذلك، وهي مبادرة بعنوان: "استقطاب الكفاءات البشرية"، وتكون على مراحل: تبدأ باستقطاب الكفاءات من مفكرين ومخترعين ورياضيين وأطباء ورجال وصاحبات أعمال مرموقين وأصحاب التخصصات النادرة والمطلوبة في العالم وأصحاب العقول المميزة وتنتهي بالتجنيس.
الكفاءات المستهدفة سوف تغير المشهد رأسًا على عقب؛ فهي قيمة مضافة من كل النواحي، وأذكر أهمها:
- السمعة الدولية: فعُمان من البلدان النادرة جدًا التي حصلت على "صفر إرهاب"، وهي البلد الشهير بالتعايش والانفتاح والتعددية والريادة والوسطية والتسامح والسكينة والأمن والأمان، وبهكذا مبادرة ستكون عُمان من أكثر البلدان جذباً وتنافسية، وسيزيد من رفعة سمعتها ومكانتها الإقليمية والعالمية.
- القيمة المضافة: الكفاءات المميزة ستمثل قيمة مضافة في الاقتصاد العُماني الذي سوف يتميز بالسيولة والتوظيف والفرص التي تفيد كل من في المجتمع، ومثل هؤلاء لا خوف منهم ولا عليهم.
- مطلب مجتمعي: تجد كثيرا من أفراد المجتمع وخاصة التجار يشكون قلة التعداد السكاني، وأن على عُمان أن تفتح أبوابها للجميع، فإذا فتحت الأبواب لأصحاب العقول الخلاقة والتخصصات النادرة، فإنَّ الفوائد ستكون مزدوجة.
- القوة الناعمة: بمجرد تطبيق هذه المبادرة سوف تروِّج للسلطنة، وتكون داعمة للقوة الناعمة من خلال مبادرة نوعية وتأثيرها عميق حالي ومستدام.
- توجه الدولة: منذ بداية عام 2021 وتدفق مئات البرامج الوطنية والمبادرات الحكومية والمشاريع النوعية والتي يراد لها أن تنفذ بأسرع ما يمكن من خلال عقول مبدعة، وما يخدم الرؤية الوطنية "عُمان 2040"، وبتفعيل هذه المبادرة سوف تكون عُمان قد حققت أكثر من هدف مباشر وغير مباشر من خلال استقطاب الكفاءات النادرة وفي مجالات مختلفة، وجميع هذه الأهداف تخدم التوجهات الحكومية الحالية.
إن مبادرة استقطاب الكفاءات سوف تكون مثرية للاقتصاد والمجتمع مليئة بتلاقح الأفكار والجهود، ولن تكون مُقلقة لأحد، لأنها مؤطّرة ومُقنَّنة، وتُنفَّذ وفق معايير شفّافة واشتراطات مدروسة، ووفق نسب وأعداد محددة سلفا، كما أنها ليست عامة للجميع، بل هي خاصة محدودة، والقرار السيادي يبقى بيد الدولة، والآن هو الوقت المناسب لجذب الكفاءات من جميع الدول وخاصة الدول التي تعاني أوضاعا سياسية أو أمنية أو اقتصادية حرجة، وما أكثرها.
لا ريب أن دعم المُبدعين العُمانيين وجذب الكفاءات الإقليمية والعالمية ملفان مُكمِّلان لبعضهما البعض، ولا داعي لقلق وردات فعل سلبية من بعض أفراد المجتمع، ويمكن امتصاص ردات الفعل السلبية بالتوضيح المُبكِّر للفوائد العظيمة للمبادرة، وهذا هو الوقت المناسب لقرار سريع وجريء، وأي تأخير هو إقرار بمزيد من الفرص الضائعة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا.