عرب الدم وعرب الموقف

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

شغلت دولة جنوب أفريقيا العالم بموقفها المُشرف تجاه فلسطين برفع دعوى ضد الكيان الصهيوني بمحكمة العدل الدولية، فحواها اتهام الكيان بارتكاب جرائم حرب وإبادات جماعية بحق الشعب الفلسطيني بقطاع غزة، مع مطالبتها بحكم يقضي بوقف إطلاق النار ورفع الحصار عن القطاع، والسماح بدخول المعونات الإنسانية. وهذا الموقف كان يفترض أن تقوم به دولة أو مجموعة عربية، أو الجامعة العربية بالنيابة عن الجميع.

ما يهمني هنا ليس المفاضلة أو الافتراض بين من يقوم برفع الدعوى، بل في السوية الإنسانية والفطرة السليمة التي تدفع الإنسان إلى مناصرة الحق والواقع ضد الظالم وبجانب المظلوم. فدولة جنوب أفريقيا، دولة كبرى وفاعلة ومؤثرة في قارتها اليوم، ولها تاريخ نضالي طويل مع الاستعمار والتمييز العنصري، بفعل حكم الأقلية البيضاء لها بمباركة ودعم من الغرب لعقود طويلة، وكانت قضيتها تعتبر آخر الاحتلالات في قارة أفريقيا، كما لقيت قضيتها دعماً قوياً من العرب وخاصة في زمن الزعيم جمال عبدالناصر، والرئيس الجزائري هواري بومدين، والعقيد معمر القذافي. التشابه في الظروف التي عاشها المواطن في جنوب أفريقيا ويعيشها الفلسطيني في فلسطين المحتلة منذ 75 عامًا تتشابه إلى حد التطابق.

موقف دولة جنوب أفريقيا اليوم من قضية العرب الأولى، يعود بنا إلى عرب الموقف في العالم، ممن وقفوا مع قضايانا العربية كدول أو أفراد، الذين ناضلوا في صفوف الثورات العربية في فلسطين والجزائر، ودعموا حق الشعوب في التحرر والاستقلال، متجاوزين الجغرافيا، والعرق والدين، وملتفين حول الرابط الإنساني الجامع لهم جميعًا.

فكثير من عرب زماننا لا يعلمون عن عدد الذين قاتلوا وبذلوا أنفسهم رخيصة على تراب الجزائر، أو من أجل قضية فلسطين، من أحرار آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وكذلك المواقف الصلبة لكل من كوبا وفنزويلا وبوليفيا ونيكاراجوا لدعم فلسطين.

القضية التي تبنتها دولة جنوب أفريقيا بمحكمة العدل الدولية ضد الكيان الصهيوني المؤقت، والإجماع العالمي المساند والمؤيد لخطوة جنوب أفريقيا، جعل الكيان الصهيوني- ولأول مرة منذ زرعه- في حالة استنفار في جبهته الداخلية، وسبب الخوف الرئيس لدى الكيان، هو ليس الخوف من الحُكم والذي لن ينفذه أصلًا بحكم إنه كيان فوق القانون وفق البورد الأمريكي الغربي؛ بل في ضجيج التهمة والحكم الصادر من محكمة دولية بحجم محكمة العدل الدولية، والتي ستنتشر حول العالم وبعنوان "إسرائيل وجرائم الحرب والإابادة الجماعية بغزة"، وهذا العنوان مُخيف جدًا للكيان، ومدمر لسرديته التاريخية في تسويق نفسه كضحية للنازية ثم العرب اليوم.

سقوط سردية الكيان الصهيوني المؤقت، وإحلال سردية عربية فلسطينية حقيقية وجديدة على العالم، سيشكل تحولًا كبيرًا في الوعي العالمي ونظرته إلى الكيان المجرم وفلسطين الضحية. وهنا مقتل الكيان الذي نشأ وعاش على الخرافات والأساطير وإدعاءاته وأحقيته التاريخية بفلسطين، ومزاعم وحشية العرب من حوله.

قبل اللقاء.. يقول الرئيس الأمريكي الأسبق إبراهام لنكولن: "تستطيع أن تخدع كل الناس بعض الوقت، وتستطيع أن تخدع بعض الناس كل الوقت، ولكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت".

وبالشكر تدوم النعم.