لا تُجالس المُتعالين بشهاداتهم

 

محفوظ بن راشد الشبلي

mahfood97739677@gmail.com

 

من البديهي والمنطقي أن تجد الشخص المُتعلم والمُثقّف والذي يحمل شهادات عِلمية عالية يتجسّد عامل الرُقي في مستواه الثقافي عند حديثه ومنطقه وفي تعاملاته مع الآخرين، ويتضح ذلك مليًا بانتقائه أجمل العبارات ويُترجم أرقى التعاملات مع الآخرين حتى ولو كان الطرف الآخر أقل منه تَعلمًا وثقافة وشهادته العِلمية أقل مستواها عن شهادته التي يحملها، لأن ذلك يرتكز على مخزونه الثقافي والعلمي الذي اكتسبه وتعلمه في مشواره التعليمي ومن خلال تجاربه واحتكاكه بأقرانه المتعلمين والمثقفين من حوله، سواء في جانبه المِهني أو الجانب العام باختلاطه وتعايشه مع كافة الناس في بيئته التي يعيش فيها وهذا لا شك فيه ولا ريب.

أما غير المنطقي والخارج عن المنظور والمعتقد البديهي هو تباهي وتعالي وتكبّر فئة من المتعلمين والمثقفين والحاصلين على الشهادات العالية على الذين يجدهم في نفسه أقل منه مستوى تعليميا وثقافيا ويعتبر في تصوّر نفسه أنهم ليسوا في مستواه بل وأقل منه تكافؤا في المخزون الفكري والانفتاح العِلمي ويستصغر أفكارهم ومنطقهم ويُقلل من شأنهم وحديثهم معه ويرى في نفسه أن مجالستهم والتحدث معهم هو تقليل من شأنه ومكانته العِلمية برغم احترامهم وتقديرهم الشديد له.

إنَّ التعامل المبني على التعالي والكِبر مع الآخرين هو مكتسب خاطئ شكلًا ومضمونًا وهو من الصفات غير المحمودة وغير المُحببة من المنظور الديني والعلمي والفكري وهو ضعف وركاكة في سلوكيات وفلسفة التعامل مع الآخرين المبنية على احترام أفكارهم أيًا كانت شكلياتهم وعقلياتهم ومستوياتهم العِلمية والثقافية والأدبية، فمن غير المنطقي بل والمُدهش أن يُترجم الشخص المُتعلم غير ذلك الأسلوب وغير ذلك المبدأ وينظر للآخرين على أنهم أقل منه شأنًا بمجرد أنه يحمل شهادة أعلى منهم ويكفي أنهم احترموك وقدروك لمستواك العلمي رغم جهلهم بباقي تفاصيلك، فالعِلم بطبيعته يرقى بصاحبه في جميع الاتجاهات وأغلب التفاصيل.

ومن خلال تجربة شخصية عاملني بها شخص لا أعرف عمقه شخصيًا إلّا أنني أكن له فائق الاحترام والتقدير لمستواه العِلمي والأدبي، وظهر لي من خلال تعامله تعاليه بشهادته التي يحملها ونظرته الدونية لفكري الذي أبديته وتعاملت معه، وقد اعترفت له بذلك، إلّا أنه أبدى مراوغته في ردة فعله، وما كان منّي سوى أنني اعترفت له بمستواي العِلمي الأقل منه إن كان ينظر لي من خلاله، وأبقيت احترامي له، وتجنّبت الحوار والتعامل معه مُجددًا، واحتفظت بكرامتي وعزة نفسي في ذاتي نظير الدخول معه في نقاشات غير متكافئة بمنظوره الغريب وصدق القائل بأن تعز نفسك أفضل لك من إهانتها مع من لا يُقدرك.

خلاصة القول.. إذا دعتك نفسك في موضع تجد فيه أنك أعلى من شخص آخر فلا تستدعه كي تُجالسه وتتبادل أطراف الحديث معه، فربما لن يعجبك حديثه ولا مجالسته وستستصغر نفسك بأنك نزّلتها لمستواه فتندم، فكل عند مستواه يجد نفسه وهذا أفضل، ولذلك أوجد نفسك مع من هم في مستواك الذي يليق بك ودع الخلائق لمستوياتها التي تليق بها وتتناسب معها وإن كانت الشهادة معياراً فهي تُثبت أنك مُتعلّم ولكنها لا تُثبت أنك فاهم.

تعليق عبر الفيس بوك