◄ من أبسط حقوق هذا الشعب المناضل علينا أن يعرف الجيل محنته وتذهب محاولات محوه من التاريخ وإزالته من الذاكرة أدراج الرياح
محمد بن رضا اللواتي
فرض "طوفان الأقصى" ثقافةً جديدةً أبهرت ألوف البشر حول العالم، فبين يوم وآخر نشاهد مقاطع من الفيديوهات تتحدث عن يقظة النَّاس في العالم الغربي وسؤالهم عمّا يجري ولماذا يجري؟! أسئلة تتحول لاحقًا إلى دفق من الاستنكار والاستهجان لسلوك دول الغرب البشع في دعم الكيان الغاصب، وعلى رأسها الولايات المتحدة التي فضلت أن يتلطخ جبينها بالعار الأبدي على أن لا تتوقف أسلحتها عن إبادة أطفال غزة.
الغرب عَمِلَ على نزع كل أثر معرفي للنكبة من المناهج الدراسية حتى في العالم العربي، لأجل أن تضيع معالم القضية تمامًا فتجهلها الأجيال وتنساها، لكن "طوفان الأقصى" أعاد ذكريات الحق السليب وطغيان الاستكبار.
ومع عودة القضية بكل هذه المأساوية والتظلم، محفوفة بدماء الأبرياء، أليس من الطبيعي أن تجد لها مكانًا في المناهج الدراسية؟
من حق كل طفل عربي مسلم أن يتعلم مجموعة من المصطلحات، من قبيل "النكبة" وماذا تعني وكيف حدثت؟ ومن قبيل "وعد بلفور" و"كامب ديفيد" و"اتفاقية أوسلو"، وما إلى ذلك من المصطلحات والمفاهيم المتعلقة بمأساة شعب كامل وضياع حقوقه أمام مرأى ومسمع العالم.
من أبسط حقوق هذا الشعب المناضل علينا أن يعرف الجيل محنته، وتذهب محاولات محوه من التاريخ، وإزالته من الذاكرة أدراج الرياح، هذا بحفظنا لمحنته في مناهجنا الدراسية، وتشجيعنا للمدارس أن تبث برامج توعوية عبر إذاعاتها الصباحية حول المسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى التي بارك الله حولها.
من المهم للغاية أن تعود فلسطين إلى المناهج الدراسية، ويتدرج ذكرها من مرحلة دراسية إلى أخرى بحسب المراحل العمرية، فيجدها الأطفال في كتبهم الدراسية على هيئة شعر ونشيد، ويجدها الأكبر سنا فالأكبر مع وفرة المعلومات بحسب المرحلة، ذلك لأنَّ جيل المستقبل سيوجه سؤالا يوما لن نجد له جواباًر، وهو سِّرُ غياب ذكر فلسطين من المناهج الدراسية، أو تواجده بنحو خجول وباهت.
بعد انتشار صور أطفال فلسطين مضمخة بالدماء، وأشلاء الآباء يتم جرها من تحت الركام، وألم الأمهات وهنّ يعانقن أجساد صغارهن الطرية عناق الوداع، لم يعد هنالك مجال لإخفاء الحقيقة، فسوف يتساءل جيل المستقبل عن أسباب تغييب النكبة عنهم؟
كم كان وزير الخارجية العماني معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي دقيقًا جدًا في تغريدته التي قال فيها: "الأجيال القادمة ستنظر بدهشة واشمئزاز إلى الخيانة التي تعرض لها أهل غزة، أوقفوا الأعمال الوحشية الفظيعة الآن". لقد تحدث عن الأجيال القادمة، بناءً على أن هذه المآسي ليس بوسع أحد طمسها. لقد وقعت لتخلد.
بالنسبة إلى الأجيال القادمة، لا شك أن طوفان الأقصى سيكون أهم بكثير من درس عن الأبواب الأربعة لعاصمة الدولة العباسية! والحديث عن النكبة الفلسطينية سيغدو عندهم أعظم من معرفة عدد وزراء الدولة الرستمية في المغرب سابقا، أو عدد شعراء الأندلس في عهد الدولة الأموية!
نعم لعودة فلسطين السليبة إلى مناهجنا الدراسية، لتتعرف الأجيال على حجم المأساة، وألم المعاناة، والحقوق المسلوبة، والجرائم الفظيعة.
نعم لأن تتحول أشعار من قبيل: "فلسطين داري ودرب انتصاري // تظل بلادي هوى في فؤادي، ولحنًا أبيًا على شفتيا // وجوه غريبة بأرضي السليبة"، إلى ترانيم على ألسنة الصغار، حتى لا يأتي وقت لا يعرفون فيه شيئًا عن حقوق أُمَّتهم، ولا يُعيرون أهمية لإخوانهم ومحنتهم، فإذا بنا نجد العالم كله في تظاهرات لأجل فلسطين، إلا أجيال أمتنا، المشغولون في متابعة دوري كرة القدم.. ربما!