عُمان.. شموخ وطن وكرامة إنسان

 

د. حميد بن مسلم السعيدي

يتمتع العُمانيون بشخصية مُتميزة ومشرفة تنبع من تاريخهم العريق وجغرافيتهم الفريدة، فهم يرتقون بعزة وكرامة إلى قمم الجبال الشاهقة التي تطل على مضيق هرمز في شمال عُمان، وهم يثابرون بصبر وصمود؛ كصمود جبال ظفار المطلة على سواحل المحيط الهندي، وأمام هذا الشموخ وعلى مدى التاريخ، استند العُمانيون على إرثهم الحضاري والثقافي الغني، الذي انبثق من تفاعلهم المُستمر مع الشعوب والحضارات المختلفة، والذي أتاح لهم تحقيق إنجازات وانتصارات عديدة في مجالات العلم والفن والتجارة والدفاع والدبلوماسية.

لم يكن العُمانيون راضين بالدفاع عن وطنهم ضد الاستعمار والغزو وحسب؛ بل خرجوا بأسطولهم البحري القوي إلى المحيطات والبحار، وأقاموا علاقات تجارية وسياسية مع الدول الأوروبية والآسيوية والأفريقية، وساعدوا في تحرير الشعوب المُستضعفة والمظلومة من الظلم والاستبداد في سواحل المحيط الهندي وشرق أفريقيا. فعندما تعرضت جزيرة سُقطرى للقمع والاضطهاد من قبل الغزاة، ناشدت الزهراء السقطرية، الإمام الصلت بن مالك، بقصيدة مؤثرة تطلب منه النصرة والمساعدة: "يا للرجال أغيثوا كل مسلمةٍ // ولو حبوتم على الأذقانٍ والرُكبِ"، وكان جواب الأمام بإرسال جيش من رجال عُمان، تمكنوا من طرد الغزاة، وتحرير سقطرى. وهذه البصرة تستنجد بالأسطول العُماني، فكانت الأشرعة العُمانية ترسو في شط العرب وتؤدي دورًا فاعلًا في مواجهة الغزاة، وتساهم في تحرير المدينة. وظهر شبابنا قادة في بناء الدول والحضارات؛ فهذا الشاب ناصر بن مرشد مؤسس دولة اليعاربة استل سيفه من أجل طرد البرتغاليين. وعندما سيطر الفرس على سواحل عُمان، ظهر الشاب أحمد بن سعيد مؤسس دولة البوسعيد، والذي تمكَّن من قيادة زمام الدولة نحو دولة عصرية حديثة، وهذه الإنجازات التاريخية هي ثمار الوحدة الوطنية، والتعاون الوثيق بين الشعب والحكومة، والتي ما زالت تمثل قيمًا أساسية للمجتمع العُماني، الذي يفخر بماضيه، ويتطلع إلى مستقبله، ويسعى إلى المحافظة على سلامه وازدهاره.

العُماني يفخر بعزته وكرامته، يرفع رأسه في حريته وولائه لوطنه، يستلهم العزائم السامية من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- يتطلع بعيون الصمود والتفاؤل إلى المستقبل، يسير دون انكسار أو انحياز في مواجهة القضايا الوطنية والعربية، ينصر المظلومين ويقف في صف الحق ضد الظالمين وينطق بكلمة الصدق دون خوف أو تردد، فعُمان دولة تقود لا تُقاد.

عُمان تستمد قوتها من مبادئها السياسية الراشدة وشعبها الوفي الذي يقف صلبًا ومؤيدًا لقيادته الحكيمة في كل قراراتها الخارجية، ومنها نستمد تلك القوة التي تشكل أحد أركان الوحدة الوطنية العُمانية، التي لا يمكن لأي دخيل أو شيطان متصهين أن يحاول النيل منها، أو التأثير في عقول شبابنا من خلال الهجمات الإعلامية المغرضة التي نتعرض لها اليوم، والتي تهدف إلى تشويه صورة عُمان وتقويض مكانتها ودورها في المنطقة والعالم. لكننا نثق في قدرتنا على التصدي لهذه الهجمات بالحق والعلم والوعي والتكاتف، ونؤكد على مواصلة مسيرتنا الناجحة في بناء عُمان الحديثة والمزدهرة والمتقدمة.

فعُمان بسياستها الخارجية المستقلة والمتوازنة، تسعى إلى تعزيز السلام والأمن في المنطقة والعالم. وتؤكد دائمًا على دعمها للقضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وترفض عُمان أي تدخل خارجي في شؤونها الداخلية أو في شؤون الدول الأخرى، وقد أكد جلالة السلطان المعظم- أعزه الله- في خطابه السامي في افتتاح دروة الانعقاد السنوي لمجلس عُمان على دعم القضية الفلسطينية: "إننا إذ نُتابعُ بِكُل أسى ما يتعرضُ له الأشقاءُ في فلسطينَ المحتلةِ، من عدوانٍ إسرائيليٍّ غاشمٍ، وحصارٍ جائرٍ؛ لَنُؤكّدُ على مبادئِنا الثابتةِ لإقامةِ الدولةِ الفلسطينيةِ وعاصِمَتُها القُدسُ الشرقيةُ، ومؤكدين على ضرورةِ تَحَمُّلِ المجتمعِ الدوليِّ مسؤولياتِه والتزاماتِه تجاهَ القضيةِ الفلسطينيةِ، والمسارعةِ في إيجادِ حلولٍ جذريةٍ لتحقيقِ آمالِ الشعبِ الفلسطيني في إقامةِ دولتِه المستقلةِ، وبذلك يَعُمُّ السلامُ في منطقتِنا ويَنعمُ العالمُ أجمعُ بالأمنِ والأمان".

لا شك أن عُمان تواجه هجمات إعلامية متعمدة تنطلق من بعض المؤسسات الإعلامية التي تنحاز للكيان الإسرائيلي في عدوانه الوحشي على الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، وعلينا أن نعي جيدًا أن هذا الأمر يزيد من ترابط الشعب العُماني وولائه لقيادته الحكيمة، فالقضية الفلسطينية هي من الثوابت الوطنية العُمانية التي لا تتزعزع إلّا بمنح الفلسطينيين حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وحقهم الشرعي في إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وهذا ما تؤكده الحكومة العُمانية والشعب العُماني، لذا وقف شيخنا الجليل أحمد بن حمد بن سليمان الخليلي، مفتي عام سلطنة عُمان، على منبر الحق مع الفلسطينيين وحثهم على مقاومة الإسرائيليين. وأضاف شيخنا الجليل أن عُمان تدين بشدة الانتهاكات الإسرائيلية للمسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وتدعو المجتمع الدولي إلى التدخل الفوري لوقف العنف والاحتلال والتهجير القسري للفلسطينيين. وأكد شيخنا الجليل أن عُمان تقف إلى جانب الفلسطينيين في كفاحهم المشروع ضد الظلم والاستبداد، وتدعم جهود السلام العادل والشامل الذي يُحقق تطلعات الشعب الفلسطيني وينهي الصراع العربي الإسرائيلي.

نحن نواجه اليوم إعلامًا مغرضًا يسعى إلى زعزعة الوحدة الوطنية والتأثير على توجهات شبابنا، وعلينا أن نقف جميعًا في مواجهته إعلاميًا عبر المنصات الرقمية، فلا يجوز الصمت على أي شيطان متصهين، وهذا ما يتطلب منَّا الدفاع عن وطننا والوقوف إلى جوار القيادة الحكيمة لجلالة السلطان الذي أكد أن عُمان دولة ذات سيادة تسعى إلى تحقيق الأمن والاستقرار: "ونَودُّ هنا أن نؤكدَ على ثوابتِنا السياسيةِ المبنيةِ على مبادئِ حُسنِ الجِوار، وعدمِ التدخلِ في الشؤونِ الداخليةِ للآخرين، وعلى إرساءِ نظامٍ عادلٍ لتبادلِ المنافعِ والمصالح، وعلى إقامةِ أسسِ الاستقرارِ والسلامِ والإسهامِ فيها بإيجابية". لذا علينا مواجهة الإعلام المغرض والموجه ضد عُمان، من خلال توخي المصداقية والموضوعية في تلقي ونقل المعلومات، والتحقق من المصادر والأدلة قبل نشرها أو تداولها، والابتعاد عن الشائعات والأخبار الكاذبة والمضللة، والتصدي لها بالحجة والبرهان، والتعبير عن الرأي بحرية ومسؤولية، والاحترام الآراء المختلفة، والتمسك بالقيم الوطنية والدينية والأخلاقية، والمشاركة في الحوارات الإعلامية البناءة والهادفة، والتعاون مع المؤسسات الإعلامية الرسمية والخاصة في نشر الوعي والثقافة والتنوير بين أفراد المجتمع.