ماذا ينتظر "حماس"؟!

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

يعيشُ الضمير الإنساني الحُرُّ هذه الأيام محنةً وأزمةً ومأساة إنسانية غير مسبوقة، لم تشهدها البشرية عبر تاريخها الطويل، إنها مذابح وجرائم قادة إسرائيل للأطفال والنساء والشيوخ في فلسطين المُحتلة، والتي تنقلها شاشات التلفزيون وعلى الهواء مباشرة بلا رحمة، وبمساندة مطلقة من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، التي قدمت القنابل المحرمة دوليًا والدبابات والطائرات بمختلف أنواعها، والتعويض عن الخسائر المالية لهذا الكيان الغاصب الذي أصبح منبوذًا أكثر من أي وقت مضى.

ولعل الطلب المرفوع من جمهورية جنوب أفريقيا وعدد من دول العالم الحُر، مطالبين بإجراء محاكمة دولية لرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو وعصابته الإجرامية، لهو خير دليل على ذلك التوجه الشجاع، كما إن المظاهرات الحاشدة في العواصم الغربية خاصة لندن وواشنطن، تُشير إلى صحوة وتحول جذري في مواقف هذه الشعوب ووقوفها مع غزة المنكوبة؛ مما يشكل ضغطًا على الحكومات الإمبريالية المصاصة لدماء الأبرياء في تلك العواصم.

من هنا يجب التأكيد على أن انتصار المقاومة الفلسطينية بمختلف فصائلها في أرض الرباط حتمي ومؤكد، فقد قال الله- عز وجل- في محكم كتابه العزيز "وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ" (الروم: 47). ومن وسط ركام منازل غزة الصامدة التي تدمرت على رؤوس ساكنيها بنسبة 50 بالمائة من البيوت في هذا الجزء الغالي من أرض فلسطين؛ مخلفة أكثر من 14 ألف شهيدٍ، معظمهم من الأطفال والنساء، سيتجددُ الجهاد وتبدأ حرب تحرير المسجد الأقصى أولًا، ثم فلسطين المحتلة من النهر إلى البحر؛ كل فلسطين التاريخية. لما لا، وقد سطَّر المجاهدون من كتائب الشهيد عز الدين القسام وسرايا القدس ملحمةً تاريخية تُكتب بماء الذهب يوم 7 أكتوبر 2023؛ حيث أنهوا أسطورة إسرائيل التي أرهبت الجميع، خلال أكثر من 75 سنة من عمر هذا الكيان الغاصب في قلب الوطن العربي، على الرغم من الحصار المضروب على القطاع منذ 17 سنة.

انكشفت حقيقة حكام إسرائيل وضعفهم؛ فلم يكونوا على مستوى الحدث؛ حيث أصابهم الخوف والهلع والصدمة والذل إلى هذه الساعة، على الرغم من مرور عدة أسابيع على هذا الفتح المبين للأمة في عمق القواعد العسكرية الإسرائيلية في الأراضي المحتلة. وإرسال آلاف الجنود إلى غزة كانت مغامرة غير محسوبة ونكسة جديدة للجيش الإسرائيلي الذي يتعرض لحرب شوارع واستنزاف لأفراده الذين تحولوا إلى صيد سهل للمجاهدين المتحصنين في الأنفاق والمباني العالية؛ حيث يخسر يوميًا العشرات من جنوده وضباطه بين قتيل وجريح.

غزة أصبحت مقبرة للصهاينة، إنها بحق هدية قدمت على طبق من ذهب للمقاومة، ومن المفارقات العجيبة عدم قدرة هذا الجيش على الخروج من دبابات (الميركافا) التي يتحصنون فيها خوفًا من الموت، فإعادة الأسرى أصبح هدفاً بعيد المنال، فعقد صفقات التبادل مع حماس أصبح في مراحله الأخيرة.

السؤال المطروح الآن: هل سيحقق هذا الجيش المنهار معنوياً- والذي أصبح سجينا في المدرعات والمجنزرات- الأهداف التي وضعها مجلس الحرب في إسرائيل والمتمثلة في تدمير حماس وإزالتها من المشهد السياسي؟

في واقع الأمر تلك أماني وأحلام قادة إسرائيل ومن بعدهم الإدارة الأمريكية التي لا تنظر إلى قضية فلسطين العادلة إلا بعين واحدة هي عين إسرائيل. فقد أجمع معظم الخبراء في الدراسات الإستراتيجية على استحالة القضاء على المقاومة الفلسطينية مهما استمرت هذه الحرب؛ فالمقاومة الإسلامية المتمثلة في كتائب عز الدين القسام تحارب على أرضها وتدافع عن قضية عادلة ومجاهدوها غايتهم الشهادة في سبيل الله وقبل ذلك كله قد أعدوا مسبقا لهذه المعركة، فلا توجد قوة معتدية ومحتلة عبر التاريخ استطاعت أن تهزم من يرفع راية النضال في سبيل تحرير الأرض، ولعل هروب الجيوش الأمريكية والغربية من أفغانسان وقبل ذلك من فيتنام من الأدلة الدامغة على انتصار أصحاب الأرض.

لا شك أن دولة إسرائيل العنصرية ستنتهي في القريب العاجل حسب توقعات اليهود أنفسهم؛ فانهيار دولة إسرائيل- التي أقامتها الدول الاستعمارية سنة 1948 على أرض فلسطين التاريخية- لم يكن بالأمر الجديد أو المُستغرب؛ بل تنبأ بذلك العديد من المفكرين والمؤرخين اليهود، خلال العقود الماضية؛ إذ توقع هؤلاء نهاية حتمية لهذه الدولة التي تمَّ زرعها في قلب الوطن العربي، والتي قامت بتشريد وتهجير الملايين من أصحاب الأرض الأصليين من الشعب الفلسطيني؛ بل وإبادتهم في كثير من الأحيان؛ فهناك سجل أسود لقادة إسرائيل، فأياديهم ملطخة بدماء الأطفال والنساء والمُسنين من العرب والفلسطينيين، ابتداءًا من بن جوريون الذي تولى الرئاسة في أول حكومة صهيونية، مرورًا بشمعون بيريز ووصولًا إلى رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو الذي يقوم حاليًا باستهداف المستشفيات وارتكاب المجازر والإبادة الجماعية وتجويع سكان غزة.

فقد تنبأ المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس بهجرة يهودية عكسية للإسرائيليين إلى أمريكا وأوروبا، وذلك خلال السنوات القليلة المُقبلة، بينما توقع الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس قبل استشهاده، زوال إسرائيل عام 2027. وبالفعل كل الموشرات تدل على نهاية دولة الاحتلال قريبا، فكما قيل في سابق الأيام "دولة الظلم ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة" فأسرائيل اليوم تستشعر الزوال والهزيمة من منظور كتبهم الدينية، فمملكة داود وسليمان- عليهما السلام- لم تصمد اكثر من 80 عامًا؛ فهي الدولة اليهودية الأولى، بينما الدولة الثانية لليهود وهي (مملكة الحشمونائيم) انتهت في عقدها الثامن أيضًا.

وفي الختام.. لقد كشفت حرب غزة عدم قدرة الأنظمة العربية في المجمل على اتخاذ قرارات تُعبِّر عن الرأي العام العربي وتواكب طموحات الجماهير، فكسر حصار غزة لم يكن أكثر من وهم لم يتحقق، كما أن منع الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني ووقف إطلاق النار كان هدفًا صعب المنال من منظور العرب، وذلك لعدم وجود إرادة حقيقية لوقف المجازر؛ فالشارع العربي وصل إلى مرحلة غير مسبوقة من رفض ما يحدث، ولا نستبعد ربيعًا عربيًا آخر نُصرةً لفلسطين.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري