علي بن مسعود المعشني
تسلّح الكيان الصهيوني عبر تاريخه الاحتلالي لفلسطين بكل أنواع الأسلحة التي دعمه بها الغرب وسخرها له، ليكون القوة العسكرية الوحيدة والمُطلقة في المنطقة وليتحقق له التفوق والردع، مقابل الغطاء السياسي الغربي له لتبرير جرائمه لجعلها تحت مظلة القانون ومبرر الدفاع عن النفس.
وفي المُقابل هيأ الغرب للكيان الصهيوني كل أسباب الحرب النفسية ضد العرب لسكب الهزيمة النفسية في عقول صُناع السياسة والنُخب الفكرية وقادة الجيوش والمؤسسات الأمنية في الوطن العربي، فأصبح جميعهم يرددون عبارات انهزامية من شاكلة "الجيش الذي لا يُقهر" والموساد اليد الطولى لكيان العدو... إلخ.
حقق الكيان الصهيوني ورعاته ولعقود خلت انتصارات على العقل العربي وعلى الجيوش والنُظم السياسية العربية بفعل تلك الشعارات والمواجهات، إلى درجة أن العقل العربي لم يستوعب أنه سينتصر عسكريًا على كيان العدو في أي مواجهة، وإن تحقق النصر فالغرب كفيل فيما بعد باستثمار ذلك النصر العربي لصالح الكيان وجعله هزيمة نكراء للعرب لاحقًا نتيجة غياب الاستراتيجية العربية في مواجهة العدو والتحري العميق عن حقيقته.
رسم العدو في أذهاننا طيلة العقود الماضية نظرية خطيرة جدًا وهي نظرية "الخوف مقابل الكثرة"، وهذه النظرية شكلت ركنًا من أركان ما يسمى بأمنه القومي في صراعه معنا، وتتكون من ضرورة تهويل قوة العدو وبطشه في عقول العرب، لتشكل عُقدة خوف تاريخية عابرة للحدود والأجيال العربية مقابل الكثرة السكانية العربية المحيطة بالكيان والمتربصة به.
نجح الكيان الصهيوني ورعاته لعقود طويلة في تمرير نظرية الخوف مقابل الكثرة ومارسها الكيان باحترافية عالية في عملياته العسكرية وحروبه وفي عملياته الاستخباراتية كذلك، ولم يكتفِ العدو بذلك؛ بل شكل مع رعاته منظومة تضليل دعائية ضخمة تتحدث عن اختراقات وتجنيد وعملاء للكيان في الجسد العربي الرسمي والشعبي بصور أفقية ورأسية، واختلق الأكاذيب والروايات المحبوكة لسكبها في العقل العربي المعاصر، وكي لا يرى العربي لاحقًا أي منفذ أو مخرج له سوى الإقرار بحق العدو في فلسطين والتطبيع معه والقبول به كشريك وسيد وقائد للمنطقة ومن يُقرر ويرسم مصير العرب كذلك.
لم يرَ العرب الهزائم العسكرية المتلاحقة للكيان الصهيوني منذ معركة الكرامة مع بواسل الجيش العربي الأردني عام 1968، ولا حرب الاستنزاف مع الجيش المصري البطل (1968- 1970)، ولا الانتصار التاريخي في حرب أكتوبر 1973م، ولا حرب لبنان 1982م، فقد تحوّلت تلك الانتصارات جميعها الى هزائم سياسية نكراء للنظام الرسمي العربي والشعوب العربية من خلفهم، وكرست نظرية الخوف مقابل الكثرة وسوّقت لها بقوة، فنبتت اتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربة وصولًا الى دعوات التطبيع الإبراهيمية؛ بل وإلى العبث في تفسير التاريخ وتزويره والطعن في عروبة فلسطين وتسويق اليهودية وحقهم التاريخي ليس في فلسطين فحسب؛ بل في الوطن العربي ومنذ عهد الرسالة النبوية، في خلطٍ فاضح وواضح بين اليهودية كديانة سماوية والصهيونية كحركة فكرية وضعية تهدف إلى احتلال العالم وتطويعه وفق نظرية المليار الذهبي، وما الكيان الصهيوني سوى مخلب قط لها في أخطر منطقة عليهم وهو الوطن العربي.
تنحّى النظام الرسمي العربي جانبًا في الصراع مع الكيان واكتفى بالاستنكار والتنديد وسيل البيانات وتسوُّل المواقف وتكييف الاتفاقيات ومسمياتها، ونبتت في المقابل فصائل المقاومة من رحم المعاناة والوهن العربي لتتصدى لأكذوبة الكيان الصهيوني ورعاته، فأصبحت البديل في الصراع للنظام الرسمي العربي؛ بل وأصبحت محل اهتمام العدو ورعاته وفي صلب اهتماماتهم.
لقد أسقطت المقاومة نظرية الخوف مقابل الكثرة والتي أصبحت اليوم الخوف من القلة، تلك القلة التي نابت عن الأمة والنظم الرسمية لتستعيد الأرض وتحمي العرض وتُسقط جميع أقنعة الكيان ونظرياته وتكشف زيفها للأجيال وأمام العالم.
قبل اللقاء.. يستمر مسلسل المقاومة في كشف زيف العدو وهشاشته مقابل الإرادات الصلبة، وشلل رُعاته حين يواجهون الحق في وضح النهار.
وبالشكر تدوم النعم.