يوسف عوض العازمي
@alzmi1969
"ليست الأحداث في حد ذاتها هي التي تؤثر في المخيلة الشعبية، إنما الطريقة التي تعرض بها". غوستاف لوبون "سيكولوجية الجماهير".
***********
أحيانًا تبدر تساؤلات عدة حول أولويات التنمية وماهياتها، وابتداءاتها ومضامين محتوياتها، والتنمية المقصودة هنا التنمية للدول وخطط التنمية الضخمة والرؤى ذات الخمس سنوات والعشرة سنوات وماشابه ذلك، لاشك أن مجرد التفكير في التنمية هوتفكير ذوفكر راق وفيه وجاهة؛ فالتنمية هي أُس بناء الدول وهي الحجر الصلب الواقف في وجه تحدياتها، وهي إشراقة المستقبل المستشرف خلالها أبجديات المراحل القادمة المخطط لها ضمن الرؤى الطموحة، ولاشك أن لسان حال أي عاقل سيرحب وبسرور: أهلًا وسهلًا.
السؤال هنا ليس بذات التنمية، إنما بكيفية ومآل الفكر المفكر بها، ما الذي سيبدأ به المفكر التنموي، وماهي فكرته الأساسية عن التنمية وماهي الأهداف المخطط لتحقيقها، كيف ستكون الأولويات وكيف تنفيذها، وقبل أي شيء ما هو الهدف هل هو بناء حجر أم بناء بشر؟
الصورة المشاهدة يفترض أن تكون واضحة وكاملة الأجزاء وبالمقاس المفترض وجوده، عندما تكون البلد غارقة باقتصاد يعتمد على الدين الخارجي، وخدمات أساسية عفا عليها الزمن، ونظام بيروقراطي يعبث ويسير بردهاته الفساد وبخيلاء ظاهر، وخدمات صحية حدث ولاحرج، وتعليم ما أنزل الله به من سلطان، وشعب ترتفع به نسبة الأمية، كيف ستُعالج هذه المتاهات الصعبة؟
هل سيكون العلاج مثلًا باستهداف العملة الوطنية والتلاعب بها نزولًا وتعويمًا ومبادرات مضحكة، ورفع نسب فائدة تضر أكثر مما تسر، ظاهرها ضبط السيولة؟ وباطنها الله أعلم به!
لا توجد بلد في المعمورة بلا مقومات، وبلا عقول قادرة وموهوبة، لكن قواعد ميكيافيلي لا تبني بلدًا فارهًا ولا شعبًا واعيًا، فالتاريخ لن يركز على الكرسي؛ بل على من صنع الكرسي.
وفي كتابه القيم "أصول التحليل السياسي"، ذكر الدكتور فوزي الزبيدي أن سياسة الدول هي إنعكاس لغرائز الإنسان الذي يقود الدولة، كغريزة التملك، وغريزة القوة، كما أن السياسة هي صراع على السلطة. (1)
التنمية يُفترض أن تُركِّز على تطوير وتحفيز البنى الأساسية للإنسان، وليس للحجر، قواعد التنمية الأساسية هي بلد آمن مستقر، فيه الإنسان مكفولة حريته المعقولة، لديه سكن مناسب، يذهب لعمله مصدر رزقه مطمئن البال وبدخل مادي معقول، وأطفاله في المدارس بتعليم متطور يراعي مستجدات العصر وحاجة السوق للأيدي العاملة، وفي حالة احتياجه للعلاج يجد المرافق الصحية اللائقة والأطباء المميزين، ويجد ما يحتاجه للبيت من غذاء وكساء وأساسيات في الأسواق بأسعار مقدور عليها، وترعى الموهوبين وتحقق طموحاتهم بالتعلم والعلم والتطوير هذه هي التنمية الحقيقية، وهذه هي أبجدياتها، وأي شيء خارج هذا الأمر سمه ما شئت إلا مفردة التنمية فهي براء!
يقول تعالى: "فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ" (الحج:45).
*******
- كتاب: "أصول التحليل السياسي في ضوء نظريات السياسة الدولية"، د. فوزي حسن الزبيدي، الدار العربية للعلوم ناشرون، الطبعة الأولى 2018م. ص 100.