الرقابة الفاعلة.. والحوكمة الرشيدة

مدرين المكتومية

تقافزت أمامَ ناظريْ وأنا أقلب صفحات ملخص جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة حول نتائج أعماله الواردة في تقريره السنوي للعام 2022، مقولة للأستاذة عائشة المشعان من المعهد العالي للخدمات الإدارية بدولة الكويت، وهي تعرِّف "الرقابة" بأنها "الوظيفة الإستراتيجية الحساسة داخل الكيان الإداري"؛ نظرًا لتعلُّقها بالتخطيط والتنظيم وتحديد المسؤوليات، وكذلك مهمتها في نقل المعلومات التي تتعلق بتنفيذ الخطط إلى القائد الإداري، وقدرتها على إظهار نقاط الضعف وكشف الأخطاء الموجودة بهدف إصلاحها والعمل على منع تكرارها.

وبين هذه المقولة وتأكيد الجهاز أنَّ إعلان هذا الملخص يأتي "تجسيدًا للشفافية والإفصاح وإعلاءً لمبادئ الشفافية والمساءلة والمحاسبة"؛ مُضافًا إليهما هذا القدر الهائل من الجهود الوطنية المُخلِصة التي عكستها الأرقام والإحصاءات الواردة في الملخص، وصلتُ لقناعة بأنَّ مسار حوكمة الأداء الذي وجَّه به حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- في مستهل عهد النهضة المتجددة، يمضى وفق ما هو مرسوم له، صونًا لمقدرات الوطن، وحمايةً للمال العام، وتحقيقًا للنزاهة والشراكة مع المجتمع، وتجنيبًا جادًّا وحقيقيًّا لتضارب المصالح، ارتقاءً بالمجتمع للوصول إلى مزاحمة الكبار على مصاف الدول المتقدِّمة، تمامًا كما نصَّت عليه رؤية "عُمان 2040".

لقد جاءت فهرسة الملخَّص مُحقِّقةً للغاية والأهداف المرسومة بدقة، ابتداءً بخطة الفحص السنوية للعام 2022، وملخص بالملاحظات الخاصة بالوحدات الحكومية، ومن ثمَّ الملاحظات الخاصة بالهيئات والاستثمارات والشركات، وصولًا لجهود جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة في تعزيز النزاهة، ولَكَم آتت جهود الجهاز ثمارها وفق ما أوردته الأرقام، ولعلَّ الانخفاض الملحوظ في إجمالي عدد التقارير في العام الماضي إلى 181 مقارنة بـ192 في العام 2021، وكذلك عدد التقارير الرقابية الذي انخفض من 208 إلى 147 تقريرًا، يعكس حجم الوعي الحاصل على المستوى الوطني، وكذا تكاملية الأدوار من أجل حوكمة حقيقية للأداء، وهو ما أظهرته نسب تنفيذ الملاحظات السابقة، والتي حققت في عامي 2021 و2022 مُجتَمِعيْن 223 مهمة منفذة، وهي أرقام جديرة بالتأمُّل والبناء عليها من أجل دولة أجهزتها مسؤولة، حوكمتها شاملة، ورقابتها فاعلة وأداؤها كفؤ، وهو أحد أهم المحاور الرئيسية للرؤية الوطنية المستقبلية.

إنَّ التفاصيل الواردة في الملخص على 68 صفحة؛ سواءً على مستوى المخالفات المرصودة أو الشفافية في الإفصاح عنها وعن الملاحظات المُنجزة وقيد الإنجاز، تؤكِّد بما لا يدع مجالًا للشك عزمًا حقيقيًّا على القضاء على كافة أشكال القصور، ومعالجة اختلالات الأداء، لا سيما في ضوء النقلة النوعية التي يشهدها الأدء الحكومي بفضل الإرادة السياسية السامية، والتوجيهات السديدة للحكومة، وعزم جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة على الاضطلاع بالأدوار والمهام المنوطة به على الوجه الأكمل، وبجهود المخلصين من أبناء عُمان الأوفياء.

والملاحظات الواردة في الملخص متبوعة بالإجراء المُتَّخَذ، وكذلك اقتراح الحلول لها، تمثل ملمحًا آخرَ يؤكد جديّة الجهاز في إعلاء مبدأ التشاركية من أجل الحلحلة وليس فقط المراقبة والتصيُّد، وإنما كسد منيع أمام من تسول له نفسه العبث بمقدرات الوطن، أو استغلال منصبه لتحقيق مصالح شخصية على حساب الوطن والمواطن.

إنَّ توقيت صدور التقرير، ونحن على مقربة من الاحتفال بالعيد الوطني الثالث والخمسين للنهضة، بأجوائه الوطنية؛ لتفرض على الجميع- كلٌّ في مكانه وفي مجال تخصصه- استحضار أمانة الوطن وإعلاء شأنه، فنحن جميعًا مُستأمنون على مُقدراته، والتي هي مدار أمانتنا تجاهه وتجاه أنفسنا والأجيال اللاحقة علينا، لنُعلي جميعًا مبادئ النزاهة والشفافية والمساءلة والمحاسبة، فلا أحد فوق القانون، والكُل مُطالبٌ بإعلاء مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.. عهدًا نقطعه على أنفسنا من أجل مستقبل هذا الوطن.

تعليق عبر الفيس بوك