مجموعة بريكس مقابل حلف الناتو

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

مجموعة بريكس وكما هو معلوم، هي مجموعة اقتصادية ناشئة شكلتها كل من: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وتوسعت مؤخرًا بعد ضم كل من: إيران ومصر والسعودية والإمارات وأثيوبيا والأرجنتين.

المجموعة بطبيعة الحال قابلة للتوسع وقبول المزيد من الأعضاء مُستقبلًا، ويبقى السؤال حول هوية المجموعة والتي ستخاطب بها العالم وتعرف بها عن نفسها، وكذلك الأدوات العملية الضامنة لنهوض المجموعة واستمراريتها لتتمكن من الرسوخ والثبات في وجه الرأسمالية المتوحشة التي تغولت وخطفت العالم وقررت مصيره خاصة في العقدين الأخيرين.

في اعتقادي الشخصي، لا يمكن لمجموعة بريكس أن تكتسب هويتها وتحقق فعاليتها وتترجم جديتها كتكتل اقتصادي عالمي فاعل، إلّا عبر الانعتاق من هيمنة وعبودية الدولار الأمريكي أولًا؛ سواءً بالاتفاق على وجود عملة موحدة للتداول التجاري بين أعضاء المجموعة، أو الاتفاق على التداول بالعملات المحلية بينهم.

الأمر الثاني وهو الشروع في إنشاء بنك خاص بالمجموعة تتمكن من خلاله الدول الأعضاء بالمجموعة أولًا وغيرها لاحقًا، من الاستفادة من القروض والتسهيلات المالية بمعزل عن قيود وهيمنة وإملاءات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، واللذين برهنت الأيام والتجارب على أنهما مجرد أذرع ناعمة للرأسمالية الغربية المتوحشة، وامتداد للحقب الاستعمارية لتكريس التبعية للغرب.

كما لا يمكن لمجموعة بريكس تحقيق هويتها وغاياتها إلّا بحماية نفسها وأعضائها من السطو الغربي الناعم والمسلح، وذلك عبر استحداث منظومة أمنية عسكرية وميثاق دفاع مشترك يوازي حلف الناتو الغربي ويواجهه ويردعه؛ فالتوازن الاقتصادي للمجموعة لن يتحقق- في تقديري- دون ذراع مُسلّح يحمي مكاسبها ويحصن أعضاءها من التهديد والابتزاز الغربي. الغرب اليوم يحتضر ويعاني من كل أسباب الوهن والزوال وفق مؤشرات المدنيات والحضارات التي سبقته، من شيخوخة المجتمعات إلى التفسخ الأخلاقي الحاد والمهدد للغرب وللبشرية السوية من خلالهم.

الغرب اليوم لم يعد الغرب الاستعماري السارق للثروات الطبيعية للشعوب وكما عُرف عنه سابقًا، ولا الغرب السارق للعقول النادرة من شعوب العالم عبر سياسة الترهيب والترغيب؛ بل أصبح الغرب السارق للأيدي العاملة والأجيال الفتية والتي يفتقدها بفعل سياسات القضاء على الأسرة وثقافتها ثم التشجيع على التحلل، واليوم يشجع الغرب على الحروب- خارج جغرافيته بالطبع- بقصد العبث بالمكونات بالداخل وتهجير الآخرين وإكراههم على اللجوء إليه لينتقي منهم حاجته ويبقي من ليس له بهم حاجة داخل أسوار معتقلات تسمى مخيمات الهجرة لترحيلهم لاحقًا إلى جغرافيات أخرى تحت مُسمى الإنسانية وحقوق الإنسان!

لا شك عندي أن الغرب لن يقف متفرجًا ومكتوف الأيدي وهو يرى عالمًا موازيًا يتشكل أمامه ويهدد مصالحه المتمثلة بالاقتصاد؛ بدءًا من التنكر للدولار واليورو ليرسم واقعه ومستقبله بعيدًا عنهما، إضافة الى تجفيف مصالح الغرب تدريجيًا من جغرافيات مختلفة حول العالم مثل: النموذج الأفريقي تجاه فرنسا، وهذا ما سيدفع الغرب إلى التنمر المفاجئ أمام القوى الصاعدة واستنساخ أزمة أوكرانيا في جغرافيات عدة حول العالم، لتهديد خصومه الصاعدين وتفتيت قواهم، فالغرب ما زال يمتلك بقايا قوة قد تساعده في لحظة ضعف على تحقيق نظرية نيرون التاريخية "عليّ وعلى أعدائي"، فهذا آخر ما تبقّى له من جملة خيارات فرط بها.

قبل اللقاء.. من يقرأ التاريخ القريب المعاصر للعالم، يعلم أن المنظمات الأممية التي قامت أعقاب الحرب الأوروبية (العالمية) الثانية، تجاوزها الزمن وتكشفت حقيقتها ولم تعد أممية أو صالحة لعالم اليوم، وأن تعدد الأقطاب وتداول قيادة العالم أصبح من الحتميات الملموسة والواقعة لا محالة.

وبالشكر تدوم النعم.