أولاد "السندويك"

 

 

بدر بن خميس الظفري

 

حكى لي صاحبي يومًا أن أباه كلفه مرة أن "يطلع" النخلة لكي "يخرف" الرطب ليُغطي حاجة العائلة من هذه الفاكهة الصحية المُرتبطة بالثقافة الغذائية العمانية، إلا أنَّ صاحبي وبعد صموده لدقائق في قمة النخلة، بدأت أعراض التأفف تتصبب من فمه وآهات التذمر تتقاطر من شفته، وعندما أحس أنَّ رجليه بدأتا ترقصان وترجفان سأل أباه أن ينزل من النخلة لأنه لا يستطيع أن يكمل "الخرافة"، فرفع "الشيبة" رأسه ناظرًا إلى ابنه الشاب وهزَّ رأسه المتحسر على ما يسمع وقالها بغضب: "هيه هيه... انتوا ولاد السندويك"!

لم أستطع أن أتمالك نفسي فضحكت على تلك العبارة واستوطنت ذاكرتي ولم تُغادرها، بل وأصبحت أرددها في كل محطة أرى فيها موقفاً يُبين تخلف قدرات شبابنا الجسدية عمَّا كانت عليه زمن الآباء والأجداد، ولعلكم قد سمعتم- كما أسمع دائمًا- شكوى كبار السن من الرجال والنساء من ضعف حالة أبنائهم وبناتهم الجسدية، وكثيرا ما يروون لنا قصص التحسر على أيامهم الخوالي وكيف كان الواحد منهم يحمل الأوزان الثقيلة من (جرابات السح) أو (جواني العيش) أو (الدعون) أو (جوس النخل) ولسان حالهم يقول: ألا ليت الشباب يعود يومًا.. فأخبره بما فعل المشيب.

والحقيقة التي قد نتفق عليها جميعًا أن (السندويك) هو سبب من الأسباب التي أدت إلى الواقع الصحي للشباب اليوم، ولكنه ليس هو السبب الوحيد، فهناك العديد من الأسباب التي اصطلح على تسميتها اليوم بـ(العادات الصحية) وهذه قد توصف بأنها سليمة أو سيئة، ودعنا نتتبع عاداتنا الصحية بتسلسل زمني يبدأ من منابع الطفولة حتى الشباب.

إنَّ الدراسات الطبية والبحوث العلمية تتزاحم لتنشر في الدوريات والمجلات إثباتات تؤكد أن الرضاعة الطبيعية من ثدي الأم خلال السنتين الأوليين من الطفولة هو الغذاء الصحي الوحيد الذي يعوض الطفل عن كل العناصر الغذائية التي يحتاجها في هذه المرحلة، ولا تقتصر الفائدة على الغذاء فحسب؛ بل إن علماء النفس يؤكدون أنَّ إرضاع الطفل عن طريق الثدي له آثار نفسية بالغة الإيجابية على شخصيته عندما يكبر، وأن كثيرا من الاضطرابات النفسية التي قد تظهر في شخصية الشاب أو الفتاة يعود إلى عدم تلقيه رعاية كافية خلال فترة الرضاعة، وقرآننا الكريم مازال ينفخ في آذان الأمهات منذ أربعة عشر قرنًا "وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ"، وبالرغم من كل هذه الصرخات فإننا نجد قارورة الحليب الاصطناعي تلتصق بفم الرضيع لا تُغادره، ونجد الأم الحنون تصعر خدها لتلك النداءات المُتزاحمة، مدعية أنها لا تجد وقتًا لإرضاع طفلها.

وفي مرحلة مُتقدمة يبدأ الطفل عادات غذائية سيئة وذلك بالإدمان على الشراء من (الدكان)، (الآيسكريم والمينو والعلوك والتشكليت والكافي)!! كلها مسميات مألوفة لأغذية دكانية يتلَّهف عليها أطفالنا وبضوء أخضر من والديهم، بدعوى تدليل الطفل ومنحه ما يُريد وعدم حرمانه من المصروف اليومي، كل ذلك على حساب الغذاء الصحي الذي يُعد في المنزل ولا يلتفت إليه الطفل لأنَّ معدته الصغيرة قد امتلأت بما يطفئ شبعه ويفقر صحته وقوته (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) !!

وعندما يشتد العود ويبلغ الطفل مرحلة الشباب، تبدأ المغريات الرجولية تتراقص بين عينيه، فسيجارة وشيشة لا معنى للرجولة بدونهما، وإن لم يتوفر هذان المصدران فأخوهما (البوري) يوفي غرضهما، والسيجارة الإلكترونية تفرض نفسها بديلا لكل منهما، ولن أكلف نفسي في تبيان دمار الغزو الدخاني (السجائري والشيشي والبوري) على صحة الجسم، فيكفي أن تقرأ ذلك الإعلان الصغير والخطير المكتوب على صندوق سيجار ملقى على جنبات الطريق: "تحذير صحي: التدخين سبب رئيسي لسرطان وأمراض الرئة وأمراض القلب والشرايين"، ولقد تفكرت طويلا محاولاً أن أجد للمدخن عذرا يتحجج به عند ربه الذي قال: (ويحل لهم الطيبات ويُحرم عليهم الخبائث) فلم أجد، فمال يُهدر، وصحة تُدمر، وجمال يُحتقرُ، ومُجتمع يهرُبُ من المُدخن ويزفر !!

والسندويك عادة لا يؤكلُ وحيدا، فلا بُد من وجود سائل يسهلُ وصوله حتى يصل إلى مصنع هضم الغذاء، والمشروبُ عادة لا يربو نفعًا عن المأكول، فمشروبٌ غازيٌ فواحٌ أخضر أو أسود أو أصفر يُعطي شاربه طعم المزمزة والنعنشة التي تروج لها شاشاتنا المصغرة، وليس هذا فحسب بل هناك حجم للطفل الصغير وآخر للشاب الكبير وعبوة عائلية ضخمة تستدعى بعد وجبة غداء أو عشاء وفير (فثلثٌ لطعامه وثلثٌ لشرابه وثلثٌ لِنَفَسِهِ) !!

ودعني لا أغفل هنا عن (الداغوص) و(المايونيز) و(الكاتشب)، فهذه المُكملات السندويكية لا بُد أن تكون حاضرة على مائدة السندويك لكي تقضي على بعض الفوائد الفقيرة للسندويك، فالخلطةُ البيضاء والحمراء تتفاعلُ مع بعضها البعض لتعطي طعما رائعا لا يعرفه إلا أولاد السندويك!

تعليق عبر الفيس بوك