مدرين المكتومية
تزايدت أعداد مقاطع الفيديو المختلفة التي تُظهر تعرض السياح الخليجيين والعرب عامة، لتصرفات عنصرية؛ بل وأعمال عنف وإساءة في وضح النهار، في عدد من البلدان التي تشتهر بمقوماتها السياحية، مثل تركيا وبعض الدول الغربية، وهي مشاهد ولقطات يندى لها الجبين، وتعكس مشاعر الحقد التي يُكنها كثيرون تجاه العرب، في ممارسات عنصرية لا شك أنها محل رفض من الجميع، وعلى رأسهم السلطات المعنية في تلك الدول، رغم أنها حتى الآن لم تُحرك ساكنًا.
تنامي العداء ضد العرب ليس وليد اليوم، لكنه آخذ في الزيادة بصورة غير منطقية خلال الفترة الماضية.
والمتأمل لبلاد العرب من الخليج إلى المحيط يجدها بلادًا واسعة حباها الله بالطبيعة والجمال والجبال والسواحل لتكون من أجمل المناطق؛ الأمر الذي يؤكد ضرورة إعادة النظر في استثماراتنا في العديد من هذه الدول، ومن ثم توجيهها نحو الداخل العماني وتنفيذ مشروعات سياحية تُضاهي تلك التي يذهب إليها العرب في مختلف المواسم؛ بل وأن تتكاتف جهود الصناديق الاستثمارية الخليجية والعربية من أجل أن تتوسع في ضخ استثمارات لتنفيذ مشاريع سياحية في مختلف الدول العربية؛ إذ لا بُد من عودة الأموال العربية في الخارج لاستثمارها في بلداننا، لا سيما وأن الصناديق السيادية الخليجية تستثمر عشرات المليارات في الغرب، فماذا لو استثمرت هذه الصناديق جزءًا من أموالها من أجل تطوير بلادنا العربية لتنعم بالتنمية المأمولة.
لقد تفاجأت كثيرًا بما كشف عنه التقرير الصادر عن شبكة "إس آند بي جلوبال" العالمية، والذي أوضح أن أصول الصناديق السيادية لدول مجلس التعاون الخليجي ارتفعت بنسبة 20% خلال العامين الماضيين لتصل إلى نحو 4 تريليونات دولار، وهو ما يعادل 37% من إجمالي أصول صناديق الثروة السيادية العالمية. التقرير أشار إلى أن أصول تلك الصناديق مؤهلة للزيادة في ظل الفوائض المالية التي تحققها دول الخليج، بنحو 9% خلال العام الجاري، و6% في العام المقبل 2024، كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، حسبما أفاد التقرير.
الحوادث العنصرية ضد العرب في عدد من الدول، تستدعي على الفور التفكير والإجابة عن سؤال هذا المقال: "ما الذي داهمنا؟"، وما أسباب تطور الأوضاع إلى هذا المستوى؟
إن ما يحدث حولنا من متغيرات في جميع أنحاء العالم، يفرض على الدول العربية أن تتكاتف من أجل تحقيق تكامل اقتصادي حقيقي، فدولنا العربية تزخر بالعديد من الإمكانيات، وما إن توحدت الجهود وتضافرت، سيكون للعرب شأن آخر. فهناك دول تملك العمالة المؤهلة المدربة، وأخرى تتوافر لديها السيولة المالية لضخ الاستثمارات، والكثير من دولنا العربية حباها الله بمواقع سياحية فريدة، سواء كانت طبيعية أم أثرية، ودول أخرى تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي.. وكل هذه العوامل في حالة استثمارها على النحو الأمثل، ستزدهر الاقتصادات العربية وتنتعش، وعندئذ لن يضطر المواطن العربي للذهاب إلى بلاد أخرى لقضاء إجازته الصيفية.
إنني من خلال هذا الطرح لا أطالب بسحب استثمارات أو إحداث قطيعة اقتصادية مع أي دولة، ولكن أحث على ضرورة إعادة النظر في معدلات الاستثمار داخل الدول العربية، من خلال إعادة توجيه جزء من الاستثمارات التي تجوب أنحاء العالم، وتحويلها إلى دولنا العربية، بما يسهم في تحقيق نمو اقتصادي مستدام للأمة العربية، وقد تعمدتُ استخدام وصف "الأمة"، لأننا مع الأسف ننسى كثيرًا أننا الأمة الوحيدة في العالم التي تتحدث لغة واحدة وتعيش على نفس مساحة جغرافية متصلة لا تفصلها أي دولة أخرى، بل ونتفق في أغلبيتنا الساحقة باعتناق نفس الدين، كما إن عاداتنا وتقاليدنا تتشابه إلى حد التطابق، مع اختلاف بسيط في المظهر لا الجوهر.
لم يكن الحلم العربي يومًا محض خيال؛ بل رؤيا صادقة ستتحول إلى واقع في وقت ما آمل أن يكون قريبًا، وأن النهضة العربية التي نتحدث عنها منذ عقود، آخذة في التبلور والتشكُّل، ولا شك أن ما يحدث من طفرات في بعض دولنا العربية والخليجية، مؤشر واضح على أن التغيير نحو الأفضل قادم لا محالة.