"اصنع في عُمان".. وتحديات الصناعة العُمانية

 

مرفت بنت عبدالعزيز العريمية

هناك من يربط بين تأخّر النشاط الصناعي عربيا وبين ثقافة المجتمع، فقد أشار بعض المؤرخين إلى أن العرب في شمال الجزيرة العربية، كالعدنانيين كانوا يعتمدون في مسائل البناء والصناعة والواردات على الحضارات المجاورة ولا يمتنهون الحرف اليدوية؛ باعتبارها مهنًا منقوصة أو بالأحرى هي حرف لا تتناسب مع طبيعة حياتهم، على عكس عرب جنوب الجزيرة الذين اشتهروا بالكثير من الحرف وفنون العمارة والصناعة ما زالت آثارها باقية حتى اليوم.

أما في العصر الحديث فيرى البعض أن الاستعمار كان سببًا في تأخر نمو القطاع الصناعي في الدول العربية، وقد كانت بعض الدول كمصر وسوريا من الدول النشطية صناعيًا قبل أن تتراجع، فمجموع الإنتاج الصناعي للدول العربية مجتمعة في ذيل قائمة الإنتاج العالمي. وبالرغم من أهمية هذا القطاع الحيوي إلّا أن الواقع يشير إلى أن نمو القطاع الصناعي العربي بطيء بشكل عام والعُماني بشكل خاص، بالرغم من توفر الموارد الطبيعية والبشرية والموقع المتميز.

لا اتفق كثيرًا مع الآراء التي تعلِّق الخيبات على شمّاعة الآخرين، فلكل مشكلة حلول، وليس حلًا واحدًا، ولأن الحاجة أم الاختراع، فلا مبرّر للتقاعس إن كان الهدف تنمية المجتمع ورخاءه إلا في غياب الرغبة الحقيقية في تحقيق بنية اقتصادية قوية. ورأينا نماذج كثيرة من حولنا في الشرق والغرب لدول تطورت صناعيا بموارد قليلة وبعضها اعتمدت على الموارد البشرية لصناعة التغيير، على سبيل المثال دول كالهند وجنوب آسيا وبعض من الدول الأفريقية استعادات موقعها بعد خروج الاستعمار ونهضت وأصبحت تضاهي الدول الصناعية في مهارات مواردها البشرية ومنتجاتها الصناعية. فقد ساهم القطاع الصناعي في الارتقاء بالمستويات المعيشية والعملية والقدرات المهنية للأيدي العاملة في البلدان الصناعية وانتقلت من مجتمعات زراعية إلى مجتمعات علوم ومعرفة بعدما أرتقت بمنظوماتها التعليمية ونوّعت من مصادر المعرفة ونجدها اليوم . فالنهضة الصناعية ساعدت على نهضة التعليم وارتفاع الطلب على العمالة الماهرة والمتخصصة في كافة المجالات.

لا غنى عن تنمية الصناعة إن أردنا النهوض الاقتصادي والاكتفاء ذاتيًا؛ فالقطاع الصناعي من القطاعات المهمة التي تدفع عجلة التنمية خاصة في الدول النامية نظرًا لارتفاع معدلات البطالة ومحدودية الوظائف في القطاع العام مقارنة مع النمو السكاني المطرد في فئة الباحثين عن عمل من مخرجات التعليم المختلفة. وتظهر أهمية الصناعات الوطنية وقت الأزمات والحروب وانقطاع سلسلة الإمدادت نتيجة الظروف السياسية والكواراث الطبيعية لذلك تحاول الدول جاهدة تحقيق مستوى معين من الاكتفاء الذاتي لمواجهة تقلبات السوق العالمية بما يحقق الرفاهية لشعوبها ومكافحة الفقر.

القطاع الصناعي له دور كبير في توفير فرص عمل وتنويع مصادر الإنتاج والدخل والصادرات وتوفير النقد الأجنبي ومعالجة مشكلات في ميزان المدفوعات.

لو عدنا قليلًا إلى الوراء لقرون سابقة، تحديدا قبل الميلاد لوجدنا أن عُمان اشتهرت بصناعة السفن والنحاس وحرف الزراعة والصيد والتجارة بين قارات العالم، وجاءت تسمية (مجان) إشارة إلى أرض عُمان التي اشتهرت كميناء ومكان لصناعة السفن؛ فالنصوص السومرية والهيروغليفية أكّدتْ لنا أن عُمان كان لها تاريخ في الصناعة والتجارة.

إنَّ تطوير القطاع الصناعي يعني توفير فرص وظيفية لأكبر عدد من الباحثين عن عمل ورفع مستوى التعليم المهني وتوفير عمال مهرة للسوق المحلي والخارجي فهو أحد الحلول لملف التوظيف ومكافحة الفقر وتحريك عجلة الاقتصاد يعتمد على فكرة بناء اقتصاد محلي قوي، فلا يمكن النظر إلى ملف التوظيف أو إلى ضعف السوق والقوى الشرائية بمعزل عن معالجة مشكلات التي تواجه البنية الاقتصادية لأن النظرة التكاملية للمنظومة الاقتصادية وحدها قادرة على دفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام. والبنية الاقتصادية القوية تعني الإدارة المثلى للموارد الطبيعية والبشرية وتطوير القطاع الصناعي والتكنولوجي.

ما زالت عُمان تتمتّع بالكثير من المقومات الطبيعية والموقع الممتاز الذي يؤهلها أن تصبح دولة صناعية، فالمناطق الحرة يمكن أن تساهم في إحداث نقلة نوعية إن وجد الدعم المناسب للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ونتجاوز مرحلة البدايات إلى مشروعات التصنيع العملاقة بدعوة المستثمرين المواطنين والأجانب للاستثمار في الصناعة بكافة مجالاتها بتبنّي حملة "اصنع في عُمان" وتذليل كافة المعوّقات التي تحول دون نمو القطاع.