الفيفا.. عدالتك في الميزان

 أحمد السلماني

hakeem225@hotmail.com

تتجه أنظار جماهير الكرة الآسيوية إلى مرحلة الملحق الآسيوي الرابع المؤهل إلى نهائيات كأس العالم 2026، وسط حالة من الامتعاض والاستغراب مما يمكن وصفه بانحياز فجّ في قرارات الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA) فيما يتعلق بآلية إدارة هذه التصفيات الحاسمة، خاصة على مستوى منح استضافة المجموعتين للمنتخبين السعودي والقطري، رغم أن معايير العدالة الرياضية والمنطق التنافسي تفرض حلولاً أكثر توازنًا وإنصافًا.

الاتحاد الدولي، وبالتنسيق مع الاتحاد الآسيوي، قرر منح السعودية استضافة مباريات المجموعة الثانية، وقطر استضافة المجموعة الأولى، مبررًا ذلك بتصنيف المنتخبين العالمي المتقدم مقارنة ببقية منتخبات الملحق. غير أن هذا التبرير يبدو هشًا وساقطًا أمام الواقع الرقمي، إذ تشير الأرقام بوضوح إلى أن منتخبي العراق والإمارات أنهيا المرحلة السابقة بأعلى رصيد من النقاط (15 نقطة لكل منهما)، متفوقين على السعودية وقطر اللتين حصدتا 13 نقطة فقط. فبأي منطق تستبعد البصرة وأبوظبي من احتضان هذه التصفيات؟ أليست الجدارة الميدانية أحق بالاعتبار من الحسابات المصطنعة؟

المعادلة الظالمة لا تقف عند حدود الأرض والجمهور، بل تتجاوزها إلى تفاصيل أدقّ تمس جوهر العدالة التنافسية. فالجماهير المساندة للمنتخبين المضيفين ستحصل – بحسب لوائح الفيفا – على النسبة الأكبر من المقاعد، إذ خُصصت 57 ألف تذكرة تقريبا لجماهير "الأخضر" مقابل 5000 فقط لجماهير العراق وإندونيسيا، و13,500 لجماهير "العنابي" مقابل 1200 تذكرة فقط للإمارات ومنتخبنا الوطني بعد ان اختارت قطر استاد جاسم بن حمد بسعته المحدودة مسرحا للمباريات الحاسمة. هذه الأرقام لا تترك مجالًا للحياد، بل ترسخ لفكرة أن أرض الملعب قد تُحسم سلفًا من على المدرجات.

ويزداد الأمر سوءًا حين نتمعن في جدول مباريات المجموعة الأولى، الذي يكشف عن أفضلية مريحة لمنتخب قطر، إذ سيواجه منتخبنا الوطني يوم 8 أكتوبر، على أن يلعب "الأحمر" مباراته التالية أمام الإمارات في 11 أكتوبر، بينما ينعم "العنابي" بفترة راحة تمتد حتى يوم 14 أكتوبر لملاقاة الإمارات. مشهد مشابه يتكرر في مجموعة السعودية، حيث يحصل "الأخضر" على راحة أطول مقارنة ببقية منافسيه، ما يمنحه امتيازًا بدنيًا غير عادل.

كما وأن ذكريات المنتخبات الآسيوية مع بعض القرارات التحكيمية المثيرة للجدل في مباريات حاسمة قاريا  – خاصة تلك المدعومة بتقنية الـ VAR – ما تزال حاضرة، وتثير ريبة مشروعة من احتمالية تكرار سيناريوهات قد تُحسم عبر صافرة أو شاشة.

كان الأجدى بالفيفا – وهو من يرفع شعارات النزاهة والحياد – أن يُراعي مبدأ تكافؤ الفرص، إما من خلال إقامة هذه التصفيات بنظام الذهاب والإياب، مستغلا تواريخ "أيام الفيفا" في شهري سبتمبر وأكتوبر، أو على أقل تقدير توزيع الاستضافة بشكل متوازن، كأن تُقام مجموعة العراق والسعودية وإندونيسيا في الدوحة، مقابل إقامة مجموعة قطر والإمارات ومنتخبنا الوطني في جدة. أما الحل الأنسب، فكان باللعب على أرض محايدة تمامًا، في دول مثل الكويت أو البحرين أو ماليزيا.

ختامًا، يبدو أن "القوة الناعمة" التي تمتلكها السعودية وقطر بأروقة "الفيفا"باتت تتحكم بأروقة القرار داخل الاتحادين الآسيوي والدولي، في مشهد يؤكد أن من يعزف ويعرف كيف يتعامل مع دهاليز "الفيفا" لا يزال – وللأسف – الأعلى صوتا، وأن العدالة ستظل مؤجلة حتى يُستبدل هذا الواقع بقيادات تضع اللعبة فوق المصالح، والملعب فوق الأسماء.

الأكثر قراءة