د. عبدالله الأشعل
الصراع على غزة له صورتان: صورة إسرائيل التي تؤرخ لهذا الصراع بهجوم حماس على غلاف غزة في السابع من أكتوبر 2023. إسرائيل زُلزلت في هذا الهجوم رغم أن التحقيق الإسرائيلي يشي بأن الهجوم كان متوقعًا، لكن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لم تتحسب له، ولم تستعد لسبب نفسي، وهو ما كشفت عنه حماس من قرارات لم تكن في حسبان إسرائيل، ثم إن الهجوم الكاسح جعل إسرائيل تشعر بالخطر، لأن المجتمع الإسرائيلي ظل مخدوعا بالدعاية والأكاذيب الإسرائيلية، وهي أن جيشها لا يهزم وأن الغرب وأمريكا لن تسمح له بالهزيمة، على افتراض أن إسرائيل زرعت رغم أنف العرب في بحر من العداء، لذلك لعبت أمريكا دورا أساسيا لاستقرار إسرائيل في المنطقة عن طريق جوار إسرائيل.
ولذلك كان التقارب المصري في عهد السادات من أمريكا وإسرائيل حاسما في مد المشروع الصهيوني بقبلة الحياة للمرة الثانية في مصر، كانت المرة الأولى عندما خافت أمريكا وإنجلترا من موقف الملك تجاه إسرائيل، وأحلت محله ضباطا متعطشين للسلطة دون أن يكون لديهم مهارات ومؤهلات السلطة. كانت زيارة السادات لمدينة القدس في نوفمبر 1977 إيذانا بتمدد المشروع الصهيوني، وقفزا على نتائج حرب التحرير عام 1973. وبعدها بعدة سنوات أضيفت مجموعة أخرى من معاهدات السلام وسميت بالسلام الإبراهيمي وهذا عبث. المهم أن إسرائيل كان لديها هذه الصورة.
أما المقاومة فكان لديها صورة معاكسة مفادها أن هجوم السابع من أكتوبر بالنسبة لها طبيعي، مقابل سياسات إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، ورد مجمل على تجاوزات إسرائيل يترتب على ذلك أن المقاومة لها الحق في مهاجمة العدو ما دام العدو محتلا لأرض فلسطين، ويسعى لطرد السكان وتدنيس الأقصى.
وواضح أن المقاومة بدأت بهذا الهجوم باستراتيجية جديدة، وهب ليس مجرد مقاومة الاحتلال، وإنما تحرير فلسطين، ودخلت إسرائيل مرحلة نفسية خطيرة واكبت عودة ترامب إلى البيت الأبيض، ولأنه أول وأكبر صهيوني، فقد تماهى مباشرة مع نتنياهو، فكلاهما يعمل وفق مشروع وهو توسيع المشروع الصهيوني بعد أن رتبت أمريكا هذا الملف من الناحية الإقليمية، بحيث ضمنت سكون الجبهات العربية، بينما تنفرد إسرائيل بإبادة الشعب الفلسطيني، وبالفعل فإن أعمال الإبادة الإسرائيلية تحصد حوالي 100 فلسطيني يوميا، وبحسبة بسيطة فإن إسرائيل تأمل في إبادة غزة بكافة صور الإبادة، وقطعت في هذا السبيل شوطا كبيرا، ومن لا يريد أن يباد فليهرب خارج غزة على سبيل الهجرة الطوعية.
ورفعت إسرائيل شعارات أهمها: إن الهدف من حملة الإبادة هو الانتقام لهجوم السابع من أكتوبر ووضعت إسرائيل ثلاثة أهداف إضافية:
الأول: إبادة السكان، حتى يسهل جلب صهاينة العالم أو بناء المستوطنات واحتلال غزة بالكامل بدلا من تعميرها.
الثاني: القضاء على المقاومة وتطهير غزة، بحيث تأمن إسرائيل، وذلك بنزع سلاح المقاومة وإبعاد قياداتها وحرمانها من المشاركة في إدارة غزة، وتحقيق هذه الأهداف بالمفاوضات أفضل من تحقيقها بالقوة، لذلك ماطلت في المفاوضات وأوهمت العالم أنها تنوي وقف إطلاق النار.
الثالث: إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين فقط، وعلى المقاومة قبول شروط إسرائيل صاغرة، وإلا فإن الإبادة سوف تستمر والتجويع والمقاومة مسؤولة عن الإبادة.
وإسرائيل مدعومة من العالم كله، خاصة الغرب، وسط سكون الوسط العربي والإسلامي. وعلى العكس، المقاومة لا يدعمها أحد، عزلوا إيران وقطعوا الصلات بين إيران والمقاومة ومعظم الحكام العرب لا يدعمون المقاومة، كما أن السلطة ضد المقاومة وهذا يؤدي إلى منهجين في التكهن بمصير الصراع كالاتي:
منهجان لحساب مصير الصراع على غزة بين المقاومة وإسرائيل. إذا كان معظم الحكام العرب ليسوا مع المقاومة، فإن التقارير تجمع على أن الشعوب العربية تؤيد المقاومة وتكره إسرائيل وتتمنى زوالها.
وفي مصر، رغم أن مصلحة مصر الدولة هي زوال إسرائيل ودعم المقاومة والأمن القومي المصري يحتم ذلك، ولكن حسابات الحكومة مع إسرائيل وأمريكا تجعل هذه الحقيقة ليست مطلقة. فحسابات السلطة وهي بطبيعتها ليست ظاهرة معقدة.
ولكن أستطيع كمراقب أن أستنتج أن موقف السلطة قريب من موقف الشعب، وإلا لما تمكن المواطن من التعبير عن رأيه بحرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي ضد إسرائيل، بل أن الهلال الأحمر المصري، وهو جهة حكومية يجمع تبرعات لصالح غزة، والمشكلة أن هذه المساعدات تتكدس في العريش دون أن يستفيد منها أهل غزة، لأن قرار فتح المعابر هو بيد إسرائيل. ولذلك فسياسة التجويع جزء من الإجرام الصهيوني.
قلنا إن المقاومة بدأت من هجمتها في السابع من أكتوبر في نهج جديد يتجاوز مجرد مقاومة الاحتلال وهو تحرير كل فلسطين. واستشعرت إسرائيل وأمريكا خطورة ذلك، لذا اندفعت إسرائيل كالأسد الجريح تبيد على أساس صيغة فلسطين للأقوى، وما دامت إسرائيل تحوز كل أنواع القوة بما في ذلك الدعم الغربي والأمريكي، فإسرائيل قررت استخدام كل القوة لإرساء دعائم بقاء إسرائيل، وتجاهر بهدف القضاء على المقاومة، رغم انكشاف الجيش الصهيوني بسبب وعد الله وبطولة المقاومة.
المقاومة تدرك تماما أنها وحدها، خاصة بعد أن قطعت أمريكا أواصر العلاقات مع إيران، ولذلك تسلحت بالحق وبوعد الله ولذلك تحقق المقاومة في ساحات القتال انتصارات مبهرة بإذن الله.
وهناك منهجان لتقييم مصير الصراع هما:
الأول: المنهج البشري ينتهي إلى القول بانتصار إسرائيل. والمنهج الإلهي الذي يؤكد انتصار الحق على الباطل. وإذا انتصرت المقاومة بمعنى ألقى الله الرعب في قلوب الصهاينة، فستزول إسرائيل، وعندئذ، تتغير جميع قواعد العلاقات داخل الإقليم وبين الإقليم والولايات المتحدة.
رغم أن المنهج الإلهي مثالي وغيبي، إلا أني مؤمن به تماما، فذلك وعد الله ووعده الحق ولن يعجز الله أن ينصر الحق على الباطل.