حمود بن سعيد البطاشي
في إطار الجهود الوطنية لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، قامت الحكومة العمانية بخطوة استراتيجية تمثلت في ضم محفظة تمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة إلى بنك التنمية العماني. الهدف من هذه الخطوة كان واضحًا وجليًا: تقديم التسهيلات المالية والقروض الميسرة لرواد الأعمال من أجل تمكينهم من الانطلاق بأعمالهم، وخلق بيئة محفزة للنمو والاستدامة الاقتصادية.
ولكن، وعلى أرض الواقع، ما يواجهه طالبو التمويل من هذا البنك يخالف التوقعات والآمال التي رسمها الكثيرون. التعقيدات الإدارية والإجرائية التي تصاحب تقديم طلبات القروض أصبحت مصدر إحباط كبير، وأدت في كثير من الأحيان إلى تراجع العديد من أصحاب الأعمال عن تقديم الطلبات، بل وحتى عن تنفيذ مشاريعهم بالكامل.
أولى هذه التحديات تبدأ منذ لحظة تعبئة الطلب. إذ يُطلب من صاحب المشروع إعداد دراسات جدوى تفصيلية، وتقديم ضمانات عديدة، وإرفاق مستندات معقدة، وكل ذلك دون وجود دعم فني أو إرشادي فعّال من البنك لتوجيههم. ثم تأتي المرحلة التالية وهي "الانتظار"، والذي لا يقل عن ثلاثة أشهر في معظم الحالات، ليبقى صاحب الطلب في حالة من الترقب المرهق، لا يعلم ما إذا كان طلبه سيُرفض أم سيُوافق عليه، وإن تمت الموافقة، فغالبًا ما تكون على مبلغ زهيد لا يغطي حتى أبسط احتياجات المشروع.
المفارقة الكبرى أن كثيرًا من رواد الأعمال، وهم الأدرى بطبيعة مشاريعهم، يتقدمون بطلب قرض بقيمة مدروسة بناءً على احتياجات فعلية، ليصطدموا بموافقة على مبلغ لا يتجاوز 20% من المبلغ المطلوب. فعلى سبيل المثال، يتقدم أحدهم بطلب قرض بقيمة 100 ألف ريال عماني لمشروع يتطلب استثمارًا لا يقل عن 150 ألف ريال عماني، ليتفاجأ بموافقة على 20 ألف ريال فقط! هذا المبلغ، في واقع الحال، لا يغطي حتى تكلفة الإيجارات أو التجهيزات الأساسية.
تساءل الكثيرون: ما الفائدة من إنشاء هذه المحفظة إذا كانت ستعقّد الأمور على رواد الأعمال بدلًا من أن تسهلها؟ كيف يمكن لمشروع طموح أن ينطلق بنجاح في ظل نقص التمويل، والتأخير في الإجراءات، وعدم وضوح المعايير المعتمدة في تقييم الطلبات؟
الحكومة حينما أوكلت لبنك التنمية العماني مهمة إدارة محفظة دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، كانت تهدف إلى تمكين الشباب، وفتح أبواب الأمل أمامهم، وليس غلقها بإجراءات بيروقراطية مرهقة. ينبغي أن يُنظر إلى صاحب المشروع كشريك في التنمية، لا كمتهم يحتاج إلى إثبات صدقه وقدرته. فالثقة هي الأساس، والمخاطرة المحسوبة جزء من العمل المصرفي التنموي.
كما أن البيئة الريادية في السلطنة بحاجة ماسة إلى تسهيل الإجراءات وتقصير الدورة الزمنية للموافقة على القروض. يجب أن تُمنح الأولوية للمشاريع ذات الجدوى العالية والتي تقدم قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، مع مراعاة أن صاحب المشروع هو الأعلم باحتياجاته وأولوياته. كما أن دعم المشاريع لا يجب أن يقتصر على التمويل فحسب، بل يشمل أيضًا التوجيه والإرشاد، وبناء قدرات رواد الأعمال على الصعيدين الإداري والمالي.
وفي الختام، نأمل أن يعاد النظر في السياسات والإجراءات المتبعة لدى بنك التنمية العماني، وأن يتم تبسيط متطلبات الحصول على التمويل، وتحقيق التوازن بين الحماية المالية للبنك والمرونة المطلوبة لدعم ريادة الأعمال. فتنمية الاقتصاد لا تتم إلا من خلال تمكين الشباب، وتذليل العقبات أمامهم، وتحويل أفكارهم إلى مشاريع واقعية تسهم في خلق الوظائف، وتحقيق الاكتفاء، وتعزيز التنمية الشاملة.