هل يُمنحون الثقة في الدورة المقبلة؟

 

 

خليفة بن عبيد المشايخي

halifaalmashayiki@gmail.com

بدءًا عزيزي القارئ، أذكِّر نفسي وإياك بقول عطاء بن رباح، الذي قال فيه "تفقدوا إخوانكم بعد ثلاث، فإن كانوا مرضى فعودوهم، وإن كانوا مشاغيل فأعينوهم، أو كانوا نسوا فذكروهم، أو محتاجين فأعطوهم".. وأنا أقول إن كان بعضا منهم لم يكن لهم نصيب فيها -أي الحكومة- فإنه آن الأوان ليستفاد منهم.

جاء رجل إلى الحسن بن سهل -رحمه الله- يستشفع في حاجة فقضاها له، فأقبل الرجل يشكره فقال له الحسن: "علامَ تشكرني، فإن للجاه زكاة كما أن للمال زكاة"، وقال عبدالله بن جعفر -رحمه الله: "إن أفضل العطية ما أعطيت الرجل قبل المسألة"، فإذا سألك فإنما تعطيه ثمن وجهه حين بذله لك، فليس الجواد الذي يُعطيك بعد المسألة، ولكن الجواد الذي يبتدئ بالعطية قبل سؤاله، لأنَّ ما يبذله إليك من وجهه أشد عليه مما يعطيه لك بعد طلبك له، فهيهات هيهات وقد كثر شاكوك وقل شاكروك.

تلك كانت مُقدمة لحديثي ابتداءً، وأما ما يأتي بعد ذلك فمن العدل والإنصاف والحكمة وبيان العقل ورجاحته ومحبة الجميع بلا تفرقة، أن ترى فيهم الخير كل الخير مثلما ترى في نفسك، وأن ترى فيهم القدرة على العمل والبناء والحركة والفهم وحب النصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكل عمل طيب وحسن، مثلما ترى أنت في نفسك ذلك تمامًا، فإن فعلت وقمت بما تقدم، فذلك من حسن الظن والثقة بهم والإخلاص والصدق لهم، ومن جمال ومكان ووجود الإيمان بك، وأدعى إلى دوام محبتك لهم وحبهم لك.

وأن تكون رؤيتنا للجميع بأننا لسنا أفضل منهم إطلاقا في شيء؛ فذلك التواضع بعينه ومعرفة الإنسان لنفسه ولمنشئه وأصله، فإن جئنا للنسب والحسب ولخلق الإنسان على سبيل المثال، فإننا سنجد أننا جميعا ليس لنا دخل في ذلك، أي في خلقنا ونشأتنا ووجودنا على هذه البسيطة، وما نحن عليه، وكيف أتينا إلى الدنيا وكنا عليها، إلى آخر هذا الكلام.

وقد ذكرت في مقالات كثيرة شيئًا من وعن ذلك، أي حينما يولد أحدنا فإنه يجد أباه فلانا وأمه فلانة وأقرباءه وأهله فلاناً وفلاناً وناس معينين؛ وبالتالي فإنَّ الله تعالى لم يجعل الأفضلية لأحد منا متمثلا ومتجسدا ومحسوبا على أنسابنا أو أصلنا أو أحسابنا ولا ألواننا ولا عرقنا ولا دمنا، وإنما ورد أن أكرمكم عند الله أتقاكم، وغير التقي بدون شك غير منسي من قبل الله تعالى، فحاشا ذلك وتعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا أن يخلق أحدًا وينساه، وعلمنا عن ناس كانوا بعيدين عن الله تعالى كل البعد، إذ كانوا كفارا وملحدين، إلا أنه بعدما أنعم عليهم المولى عز وجل بنعمة الإسلام أصبحوا من أصحاب الجنة بصلاحهم وتقواهم وخواتيم أعمالهم، ومن الذين أعز الله الإسلام بهم؛ فلا مجال إذن أن نغتر أو نرى أنفسنا فوق الجميع أو أن نقول أولئك هم الأحق وغيرهم لا.

إنَّ هذا الوطن مسؤولية الجميع، وكلنا فيه سواسية، ومن حق الجميع أن يكون عاملا فيه بصدق وإخلاص وتفان وكفاءة واقتدار، متى ما كان مُؤهلا لذلك، فيجب أن يكون للكل فرصًا متساوية لخدمة عمان وأهلها في ومن أي موقع من مواقع العمل والبناء والمسؤولية، ينطلق ذلك من ثوابت كثيرة؛ أهمها أننا جميعًا سواسية.

ومنذ انبلاج فجر النهضة المباركة، كانت الدعوات من قبل المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد -طيب اللَّهِ ثراه- بأن ننسى الماضي ونعود للعمل، وعفا الله عما سلف، فالجميع كان مدعوًّا لخدمة عمان، وبعد رحيل الرجل الخالد فينا والمؤسِّس الذي وعد فأوفى، تولى القيادة والحكم بعده حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- الذي يسير على نهج السلطان الخالد فينا؛ فمنذ الأيام الأولى للحكومة الرشيدة، نجد أن الثقة السامية وُضِعت في الكثيرين من أبناء عمان لخدمتها، وليكونوا مسؤولين في الحكومة، فكان منهم عسكريين أصبحوا وزراء، وكان هناك أيضا شيوخ قبائل أصبحوا وزراء، وكان هناك ولاة تم اختيارهم ليكونوا وزراء، وسادة ومن قبائل مختلفة تم تعيينهم وزراء، وطالت الثقة السامية أعضاء مجلس الشورى إذ تم اختيار بعض منهم وتعيينهم وزراء ومسؤولين في الحكومة، وشملت القائمة أيضا سفراء ومسؤولين كانوا في القطاع الخاص والعام.

إلا أننا لم نسمع يوما على مدار خمسين عاما أنه تم ترقية أو اختيار نفر من الكُتَّاب أو المعلمين أو مديري المدارس كوزراء في الحكومة، وهذا محور مهم يكثر طرحه والسؤال والحديث عنه وحوله في المرحلة الراهنة.

إنَّ مولاي السلطان هيثم -حفظه الله ورعاه- يتمتع برؤية ثاقبة ونظرة حكيمة في قيادة عمان وفي توزيع وتدوير المناصب، فالاعتماد على الله تعالى أولاً في ذلك ومنح الثقة للكتاب أو المعلمين والمعلمات ومديري المدارس في المرحلة المقبلة ليكونوا وزراء أو مسؤولين في الحكومة، وهو أمر بلا شك سيكشف عن قدراتهم وإمكانياتهم في الاضطلاع والقيام بما سيُعهد به إليهم، وهذا الهاجس نتيقَّن أنه حاضر مع جلالته، وأنه سيتم العمل به في قادم الإيام بإذن الله، فسلطاننا -وفقه الله وباركه- عادل وحكيم، ورجل مثقف مطلع وذو فهم وعلم ودراية؛ لذلك فإنَّ أملنا كبير في أن يحظى الكتاب والمعلمون ومديرو المدارس بالثقة السامية ومكافأتهم بتعيينهم لتولي حقائب وزارية أو في مناصب المسؤولية بالحكومة.

تعليق عبر الفيس بوك