خطر الإفراط في حسن الظن وعدم الحذر (1)

 

 

داؤد بن سليمان الظفري

يُعتبر حُسن الظن بالآخرين من الصفاتِ الإيجابيةِ التي يجبُ أن يتصف بها الإنسان المسلم في حياته؛ إذ تُعد مطلبًا مهمًا في تعامُلِه وتفاعُلِه مع الآخرين وبناء علاقاتٍ إيجابيةٍ وسليمةٍ معهم تحتوي على المحبة والمودة والتعاون والتفاهم، وقد أُمر المسلم بأن يجتنب الظنَّ السيئ بأخيه المسلم لقوله عز وجل: "یَأَیُّهَا الَّذِینَ ءَامَنُوا۟ اجتَنِبُوا۟ كَثِیرࣰا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعضَ الظَّنِّ إِثمࣱ" (التَّغَابُنِ:14)، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظّن، فإن الظن أكذبُ الحديث"، إلا أن الإفراط في حُسن الظنّ بالآخرين هو الخطرُ الأكبر على الإنسان، فالإفراط في حسن الظن بالآخرين هو سلوكٌ يتمثل في اعتبارِ الآخرين أفضلَ مما هم عليه فعلًا، وتوقع الخير والنية الصالحة منهم في كلِّ الظروف، وإعطاءهم أكثرَ مما يستحقون من تقديرٍ وثقة، وهو ما أوقع الكثير من الناس في عدِّة مخاطير ومشاكل مختلفة، منها: الثقةُ العمياء في الآخرين والتخلي عن الانتباه والتحليل النقدي اللازم للأفعال والسلوكيات، فقد يتسبب هذا في عدم القدرة على التعرف على النوايا السيئة المحتملة من الآخرين، وتجاهل الشخص لعلامات التحذير المباشرة وغير المباشرة، وعدمَ الاهتمامِ بسلامتهِ الشخصية والمالية؛ وبالتالي يمكن أن يتعرض الشخص للابتزاز والضرر أو الاستغلال نتيجة طبية قلبه الزائدة أيضًا، وتقعُ مثل هذه المصائب حتى بين الأقرباء أو الناس الآخرين، سواءً في مجال العلاقات الاجتماعية، أو التجارة الحرة، أو الإقراض وما يتعلق بالأمور المالية، فنتيجة لعدم الانتباه والحذر الناشئ من الإفراط في حسن الظن، فقد وقع الكثير من الشباب والفتيات في مصائب كبيرة في زمننا الحاضر، فمنهم من وقع في الابتزاز الإلكتروني، وخاصة الفتيات اللاتي يبحثن عن الوظائف، أو يرغبن بالزواج، وكذلك بالنسبة للشباب، ومنهم من وقع في جرائم النصب والاحتيال سواءً في الشركات الواقعية أو الإلكترونية، ومنهم من قامَ بإقراض أموال كبيرة سواءً لأناس من معارفه أو من الناس العامة، فلم يرجع إليه بعد ذلك شيء من ماله، فهؤلاء لديهم حاجاتٌ مختلفة يسعون إلى تحقيقها، ويريدون الوصول إلى أهدافهم وتحقيق ما يرغبون بالحصول عليه، ويُريدون مساعدة الآخرين، إلا أنهم  أخطأوا في إفراطهم في حسن الظن بالآخرين، ومبالغتهم في توقّعُ الخيروالنوايا الحسنة ممن يتعاملون معهم.

كذلك يُمكن أن يُؤدي الإفراطُ في حُسنِ الظنِّ إلى دفع الشخص إلى التهاون واللا مبالاة وعدم وضع حدود صحيحة في العلاقات الشخصية والمهنية، ومن أنواع المشاكل الناتجة عن ذلك، قد يتجاوز الشخص من حدوده في تحمُّل مشاكل الآخرين وتبريرِ سلوكياتهم، أوالقيام بأعمالٍ فوق طاقته وضياع الكثير من وقته وجهده، مما يؤدي إلى إهمال احتياجاته الخاصة واستغلال الآخرين لطاقته ومهاراته، ومثل هذه المشاكل تقع في الحياة الاجتماعية وبين الأصدقاء والأقارب، وكذلك تقع في الحياة المهنية، بين الموظفين ومدرائهم ومسؤوليهم، وعند ذكر هذا الأمر في مجال الحياة الاجتماعية والأسرية، قد يعارض البعض حدوث ذلك، أو يقول بعدم الممانعة في الإفراط في حسن الظن بالآخرين الذين هم من معارف الشخص وأقربائه، إلا أن القصص الماضية والحاضرة كثيرة والتي ذكرت وقوع مثل هذه المصائب والمشاكل بين الإخوة، والزوج والزوجة، وأبناء الأعمام والأخوال، وغيرهم ممن لهم قرب أو صداقة للفرد، فإبليس لا يعرف أخًا أو زوجًا أو صديقا، وإنما هدفه الأسمى قذف الطمع والحقد والصفات السيئة في قلوب البشر، وجعلهم يقعون في صراعات وخلافات تؤدي إلى نهاية مأساوية يتحسّر عليها الإنسان في حياته وبعد مماته، فقصة قتل قابيل لأخيه هابيل ليست بغريبة، وقصة زوجات النبي لوط ونوح في القرآن مذكورة، وقصة أبناء النبي يعقوب ورغبتهم في قتل أخيهم النبي يوسف في القرآن مفصلة، وغيرها من القصص الماضية والحديثة التي وقعت بين الأقرباء والأصدقاء، وعند حضورك لجلسات المحاكم تعلم علم اليقين لحقيقة هذا الأمر، وسترى وستسمع بقضايا يقشعر منها البدن، ولا أقصد بحديثي هذا التحريض للشك والظن السيئ بالقريب والبعيد، ولكن القصد من ذلك الموازنةُ بين حسن الظن الطبيعي والحذر الواجب والمطلوب في حياة الفرد اليومية.

تعليق عبر الفيس بوك