لماذا هدم مسجد دهوى الأثري؟

سالم بن نجيم البادي

لم يكن الهدم هو الحل لهذا المبني التاريخي العجيب الذي يقع في ولاية صحم، والذي تم هدمه فجر يوم الأحد الماضي، ولا يعرف تاريخ بناء هذا المسجد ولا يعرف من الذي بناه، ولا كيف تم بناؤه، أو الغرض من بنائه، هذا مبنى أسطوري خرافي، ويقال إنَّ أهل المنطقة وجدوه قائما ذات صباح، وأنه بُني في ليلة واحدة، ولم يكن موجودا حتى غروب شمس ذلك اليوم، وأن الجن هم من قاموا ببنائه في تلك الليلة. والأقاويل حول هذا المبنى كثيرة ومتضاربة، وهذا شأن الأساطير.

حتى إنَّه لم يتفق على أنه مسجد لكنه مبنى تاريخي، لقد كان من المفترض أن يخضع هذا المبنى للدراسة والبحث بواسطة أحدث الوسائل والتقنيات، وكذلك الاستعانة بخبراء الآثار والمبنى، كان يستحق العناية والاهتمام لا الهدم، وكان من الممكن تحويله إلى مزار سياحي لا ديني، ويمكن وضع تحذيرات وإرشادات تدعو لعدم النذر إلى هذا المبنى، وكان يمكن أن يقام حوله سور ويتم تعيين حراس من قبل الجهات الحكومية المختصة وتكثيف التوعية الدينية للناس لنشر الوعي بينهم، وأن هذا المبنى لا يضر ولا ينفع، وأن الضر والنفع بيد لله سبحانه.

وما كان ينبغي هدم هذا المبنى لمجرد أن فئة قليلة من اأفراد المجتمع ينسجون حوله الأساطير والخرافات، أو أنهم يقدمون له القرابين وهم قلة قليلة.

إنَّ التدين في المجتمع العماني ليس هشًّا لهذه الدرجة كما أقول دائما، والتمسك بالدين وتعاليمه هو ديدن السواد الأعظم من الشعب العماني.

وكان يُمكن أن يكون هذا المبنى ثروة وطنية وأحد الأماكن التي تستحق الزيارة، وكان يمكن أن تفرض رسوم في مقابل الدخول إليه، ويمكن أن يكون مصدر دخل جيد لأهل المنطقة أو للحكومة من خلال استثماره وتطويره من قبل وزارة السياحة، وتسويقه كوجهة سياحية جاذبة على اعتبار أنه من المباني التاريخية فقط لا غير.

إنَّ الهدم أسهل من البناء، والانفراد بالرأي حتى لو أتى من جهات دينية -مع الاحترام والتقدير لكل الجهات- فلا يجوز، لأن مثل هذه المواضيع ينبغي أن تُطرح للنقاش والحوار والتشاور والبحث عن الحلول والبدائل الممكنة غير الهدم.

وما كان ينبغي إعطاء موضوع هذا المبنى أكبر مما يستحق، ولا الحكم عليه بالإعدام دون محاكمة.

لقد أخبرني أبي بقصة طريفة عن هذا المسجد، كان هو بطلها، فقد مر ذات سنة على هذا المسجد أو المبنى، ووجد حلوى قد وُضِعت داخله وأكل منها حتى شبع، وهو لا يزال حيًّا يُرزق حتى الآن وبصحة جيدة، وذكرت تجربة أبي هذه للدلالة على أن الناس ما كانوا يخشون هذا المبنى ولا يهتمون به ذلك الاهتمام والتقديس الذي قد يَمَس عقيدتهم. لذا فإنَّ هدمه مثَّل صدمة لكثير من الناس، خاصة الذين ارتبط هذا المسجد في أذهانهم وكأنه موروث شعبي، أو حكاية شعبية تُروى على سبيل التسلية والتندُّر، ولاعلاقة لها بالشرك إطلاقًا. إن إيمان الإنسان العماني بالله سبحانه وتعالى عميق وثابت وراسخ، وإن وُجِدت فئة قليلة جدا من الناس قد تعتقد بأنَّ هذا المسجد يضر وينفع، فما كان ينبغي أن يُلتفت إليها وتُتخذ ذريعة لهدم هذا المبنى.

لقد قُضِي الأمر وتم هدم مسجد دهوى الأثري، ولكن وبعد حادثة هدم مسجد دهوى الأليمة، أكتب هذا النداء لجهات الاختصاص، وإلى كل من يهمه الأمر: توقفوا عن هدم الآثار التاريخية؛ لأنها تراث ثقافي وإرث تاريخي لهذا الوطن الغالي.