مصر.. القلب العربي النابض

 

حمود بن علي الطوقي

 

الزيارة التاريخية التي يقوم بها حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- إلى جمهورية مصر العربية، والتي تعد الأولى لجلالته منذ توليه مقاليد الحكم في الحادي عشر من يناير 2020، سوف تحقق العديد من الإنجازات على مستوى تنمية العلاقات الأخوية بين البلدين والشعبين الشقيقين.

ولعلَّ القاهرة تنتظر هذه الزيارة نظرًا لأهميتها ولقناعتها بالدور الذي تؤديه سلطنة عُمان ومكانتها كدولة عربية لها ثقلها في حل العديد من القضايا على مختلف المستويات. وتعلم القاهرة أن للسلطنة دورًا بارزًا ومواقفها راسخة تجاه قضايا الأمة، وعلى وجه الخصوص مواقفها تجاه مصر. والعمانيون ومعهم المصريون يعلمون يقينًا ماذا قدمت عُمان من تضحيات تجاه مصر، عندما تخلى عنها الأشقاء العرب بعد توقيع اتفاقيات معاهدة كامب ديفيد، عام 1978؛ حيث اتخذت بعض الدول العربية مواقف معادية تجاه مصر، نجم عنها مقاطعة عربية شاملة لها، لكن احتفظت سلطنة عمان بعلاقاتها مع مصر؛ بل زادت رسوخًا واستقبلت سلطنة عمان الأشقاء المصريين؛ حيث رحبت بهم في الوقت الذي أبعدت الدول العربية المصريين من أراضيها.

وأنا أكتب هذا المقال، استحضر خطاب السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- في عام 1984 عندما تحدث عن مصر؛ حيث قال وهو يخاطب الشعب العماني بمناسبة العيد الوطني للسلطنة: "لقد ثبت عبر مراحل التاريخ المعاصر أن مصر كانت عنصر الأساس في بناء الكيان والصف العربي، وهي لم تتوان يومًا في التضحية من أجل الدفاع عن قضايا العرب والإسلام، وإنها لجديرة بكل تقدير". هذه هي مصر التي يحل على أراضيها عاهل البلاد المعظم ضيفًا كبيرًا، ويشعر المصريون بمكانة هذه الزيارة.

هذه الزيارة تأتي تلبية لدعوة كريمة من فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية، والمراقبون يدركون أنَّ حجم العلاقات بين البلدين الشقيقين ليست وليدة الصدفة؛ حيث تشير الوثائق التاريخية إلى أن العلاقات بين البلدين تعود إلى فجر التاريخ وما يزيد عن 3500 سنة، وامتدت تلك العلاقات ما بين التجارية والسياسية والاستراتيجية؛ فضًلا عن الروابط الاجتماعية والثقافية، فكانت العلاقات مشهود لها بالاحترام والتقدير المتبادل. وللسلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- مواقف لا تُنسى مع مصر؛ ففي عام 1973م عندما اندلعت حرب أكتوبر أصدر مرسومًا بالتبرع بربع رواتب الموظفين لدعم مصر مع إرسال بعثتين طبيتين عمانيتين لها لتقديم الدعم الطبي آنذاك.

وتستمر العلاقات العمانية المصرية عبر مراحلها المختلفة وتزداد مكانة ورسوخًا، ولعل السنوات الأخيرة شهدت قفزة في العلاقات على مختلف الأصعدة، وتتصدر العلاقات الاستثمارية والتجارية تلك العلاقات؛ حيث تشير الإحصاءات الرسمية الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات إلى أن حجم التبادل التجاري بين سلطنة عُمان وجمهورية مصر العربية شهد في عام 2022 ارتفاعًا ووصل إلى ما يقارب 393 مليونًا و628 ألف ريال عُماني مقارنة مع 217 مليونًا و742 ألف ريال عُماني في عام 2021. وسجلت قيمة الصادرات العُمانية إلى مصر ارتفاعًا من 157 مليونًا و515 ألف ريال عُماني في عام 2021 إلى 298 مليونًا و77 ألف ريال عُماني في عام 2022م، في حين بلغت قيمة الواردات العُمانية إلى مصر 95 مليونًا و551 ألف ريال عُماني في عام 2022م مقارنة بـ60 مليونًا و227 ألف ريال عُماني في عام 2021. وتوضح الإحصاءات أن كفة الميزان التجاري بين البلدين الشقيقين في عام 2022، كانت لصالح سلطنة عُمان؛ حيث بلغت 202 مليون و526 ألف ريال عُماني.

وتستورد مصر من السلطنة خامات المعادن والأسماك والألمنيوم ومصنوعاته ومنتجات كيميائية عضوية فيما تستورد سلطنة عُمان من مصر بعض المنتجات الزراعية والأثاث والأجهزة الكهربائية ومنتجات الألبان وغيرها.

ويمكن القول.. إن هذه الزيارة السامية الكريمة لمصر، تترجم بصدق عمق العلاقات بي البلدين الشقيقين، وما يعزز ذلك التوقيع المرتقب على عدد من الاتفاقيات في مختلف المجالات، ليرسم البلدان بذلك خارطة طريق جديدة نحو آفاق أرحب ومكانة أعمق بين البلدين الشقيقين.