حسبة التقاعد بين التسريبات والأمنيات

 

ناصر بن سلطان العموري

abusultan73@gmail.com

 

تواصل معي، قبل فترة، أحد المعلمين الأفاضل ممن أفنُوا أعمارهم وزهرة شبابهم في خدمة السلك التربوي وتعليم الطلبة وتلقين النشء، أكثر من 30 سنة وهو ينتقل بين مدرسة وأخرى، وبين صف وآخر، لا يهم موقع المدرسة ومشقة الوصول إليها، الأهم أن يؤدي رسالته على أكمل وجه، ويُرضي ضميره ويُطعم أولاده، وبعد أن تجاوز الخمسين من العمر، وحانت لحظة التفكير في التقاعد والتفرغ لعلاج أمراضه التي غرستها سنوات العمل ومشقته، أقلق مضجعه وشوّش سكونه وهدوءه، قانون الحماية الاجتماعية المرتقب وما يتضمنه من مواد تتعلق بتقاعد الموظفين، والتسريبات التي تسبقه وتتقدمه! فتصريحات بعض المسؤولين والتسريبات تتقاطر من هنا وهناك، والحسابات تتراشق من هنا وهناك.

كيف سيكون حال الموظف إذا كان راتبه الحالي لا يكاد يكفيه والالتزامات المترتبة عليه تقصم ظهره وتثقل كاهله؟ هذا غير التفكير في أبنائه الخريجين والذين لم يحظوا بوظيفة إلى الآن رغم حصولهم على شهادات جامعية في مختلف التخصصات... حتماً سيكون القلق شديدًا والتفكير مزعجًا ومؤلمًا.

بعث لي كلماته المرتعشة وسطوره المتوترة، نابعة من صميم قلبه، راجيًا أن تصل إلى أهل الاختصاص وأصحاب القرار، وأن يكون لها رجع صدى، لعلها تُحيي ما تبقى من أمل للراغبين في التقاعد وتمنحهم الأمان والاطمئنان.

في السطور التالية، أضعُ أمامكم رسالته كما وصلتني، من باب الأمانة والمصداقية:

"قبل أيام وصلني مقطع لأحد أعضاء مجلس الشورى.. يتحدث سعادة العضو عن الحسبة المسربة عن سبق إصرار وتعمد إلى الشارع العماني.. حسبة نظام التقاعد الجديد والذي تنتظر الحكومة الفرصة المواتية لإطلاقه، وتوظّف بعض الأسماء المنتقاة للظهور في لقاءات إذاعية وذلك لإيضاح وتبيان بعض النقاط في نظام التقاعد المرتقب والذي ينتظره آلاف الموظفين.. ينتظرون نوره وخيره وبركته هو في الحقيقة مبهم وغامض إلى الآن، كما أوحت نبرات صوت سعادة العضو المتحدث في مقابلته في إحدى الإذاعات المحلية.

وقد ساق سعادة العضو مثالًا رقميًا على المقدار الهائل من القلق الذي ربما تتضمنه بنود النظام، فقد أوضح لنا الحجم الشاسع والفارق الكبير التي يتضمنه الرقم الذي طرحه علينا، فقد كان المقدار كبيرًا لدرجة أنه غير قابل للتصديق.. عارضًا ثقافته التقاعدية بالاطلاع على نظام التقاعد الألماني والأسترالي متناسيًا سعادة العضو الفارق الفلكي بينا وبين الغرب في كل الأنظمة والقوانين المتعلقة بحياة الإنسان وحقوقه.. وإلا لما سميت بالدول المتقدمة؟!

أنا وغيري من المواطنين، أملنا كبير في مجلس الشورى من خلال الحفاظ على حقوق المواطنين وسن الأنظمة واعتماد التشريعات التي ترفع من كرامته وتُعلي من شأنه والوقوف متضامنين متعاضدين مع أطياف الشعب، من أجل ضمان صياغة عادلة ومتماسكة للقوانين والقرارات التي من شأنها أن تؤثر على حياة الناس وتصعب من معيشتهم والدفاع عن حق الموظفين الراغبين في التقاعد كي يعيشوا في بحبوحة من العيش في البقية الباقية من أعمارهم المتبقية بأمن وأمان وظيفي. في نهاية المطاف سيعود كل شيء إلى خزينة الدولة لأن معظم المتقاعدين سيتركون رواتبهم وسينتقلون للرفيق الأعلى، وسيعود الراتب إليها بعد بلوغ أبنائهم سن عدم الاستحقاق. وأغلب المتقاعدين- إن لم يكن كلهم- أبناؤهم في سن عدم الاستحقاق، باستثناء زوجاتهم اللاتي يلحقن بأزواجهن إلى العالم الآخر بعد فترة وجيزة.

أرجو ثم أرجو من أصحاب السعادة أعضاء مجلس الشورى بصفتهم منتخبين من وإلى الشعب أن يسجلوا موقفًا إنسانيًا نزيهًا ضد أي قرار يزيد على المواطن المعاناة والألم.

كما أتمنى جل التمني من الذين أُوكل إليهم صياغة وإعداد مشروع قانون الحماية الاجتماعية أن يخرجوه لنا بحلة زاهية أنيقة تناسب جميع من يرغب في التقاعد دون استثناء؛ فالتفكير في حياة ما بعد التقاعد شديد المرارة وثقيل الوطأة". (انتهت الرسالة).

ما سبق مناشدة خرجت من صميم القلب ووجدانه وتناثرت خلالها الكلمات وتقاطرت منها العبارات خوفا وهلعا من مستقبل قاتم مجهول، رسالة بيضاء لصُنّاع القرار فكروا في فئة الراغبين بالتقاعد فهم يستحقون التكريم بعد سنوات طويلة من العطاء لأجل عُمان ويستحقون عيش حياة كريمة مع مزايا تقاعدية مريحة، تريحهم فيها ما تبقى من عمرهم وهم في سعادة ورخاء.... الوطن كريم مع أبنائه وهم بلا شك يستحقون.