المكرم/ نوح بن محمد البوسعيدي
الله أكبر ولله الحمد، انتهت معركة صفين، وخنس إبليس، وفرح الملائكة واستبشر المؤمنون، إنها المعركة التي بدأت عام 37هـ والتي أزهقت في 7 أيام 70 ألف روح من كبار الصحابة وفتية الإسلام واستمر اضطرامها 14 قرنًا؛ لتنتهي بحمد الله في هذا العام المبارك 1444هـ .
كانت أطول معركة في التاريخ، توارثتها الأجيال عبر السنين ودارت معاركها الشرسة في شتى الميادين، دارت رحاها بالسيوف وبالأقلام وفي المنابر، وسُفكت بسببها سيولٌ من الدماء ونفد المداد وتكسّرت الأقلام وجفّت الحناجر. وكانت أكبر ساحة لها القلوب، فقد أشاعت الفتن وفرقّت الأمة وأعمت البصر وعتّمت البصيرة. لسنا هنا للحديث عن حقّها وباطلها فهذا أمر طالما تصادمت الأمة بشأنه، لكن لنحمد الله أنها انتهت وأن فتنتها قد أُخمدت ونارها طُفئت.
هي أم المعارك ومصدر الفرقة بين المسلمين. اختلطت فيها الأخروية بالدنيوية وحمية الدين بعصبية القبيلة، والخلافة بالمُلك العضوض، وغيّرت مجرى التاريخ الإسلامي وأحدثت شرخًا عميقًا وسببت جروحًا لا تزال تدمي منذ 14 قرنًا. أحدثت من الجدل والتراشق الفقهي ما شغل الأمة عمّا هو أنفع وظلت مصطلحاتها تلتهب في بروباجندا الكراهية (روافض، نواصب، خوارج، محكّمة، قعدة… إلخ).
كم من الكتب والمقالات والمحاضرات عبر التاريخ، وكم من القنوات التلفزيونية والبرامج الحاسوبية والمقاطع في مواقع التواصل الاجتماعي في العصر الحديث تم تسخيرها من أجل تلك المعركة تبريرًا أو دحضًا، وغرقت الأمة في مستنقع الجدلية وغاب المنطق. ونسينا القبلة الواحدة والقرآن الواحد والنبي الواحد بل وأننا نعبد ربًا واحدًا أحدًا صمدًا.
كانت أكبر ثغرة لأعداء الأمة الذين أدركوا من الأيام الأول قوتها التدميرية للأمة فاستغلوها لإثارة الفرقة وتسعير الحروب بين المسلمين وإشعال الفتن وإشاعة الفزع والبغضاء بين أبناء الدين الواحد. وبسببها اخترقوا أمة الإسلام وسلبوها خيراتها واجتزوا أراضيها واستحلوا حرماتها.
قسّمت الأمة إلى معسكرين متحاربين كل يدّعي الأحقية والنجاة، وكلٌ يحشد عناصر الدمار ضد الآخر سلاحًا ومالا ونفوسًا وفكرًا.
أفرزت معارك كثيرة متلاحقة، ومن آثارها الظاهرة اليوم القتل على الهوية وتفجير المساجد والزّج بشباب الأمة في جماعات متطرفة ومليشيات مسلحة للانقضاض على بعضهم البعض وسفك دماء بعضهم البعض، ولتبقى قواهم خائرة وعقولهم مسمومة بالكراهية والبغضاء وبأسهم بينهم شديد وبحيث لا يفكّروا في العلوم والابتكار والرقّي والتنمية والتطوير لمجتمعاتهم وأمتهم.
اتفاقيات السلام الأخيرة التي شهدتها منطقتنا هي الأمل الجديد لأمتنا الإسلامية؛ فهي تدشن مرحلة جديدة لآفاق عظيمة من التعاون والأخوّة والمودة. وطوبى للقادة العظماء الذي يقودون الأمة لهذا المسار الجديد لأمتنا وإنقاذها من ويلات الصراعات والحروب التي انهكتها وقضت على شبابها وخيراتها.
وطوبى لكل مخلص ظاهر أو خلف حجاب يعمل بكل تفانٍ للمِّ شمل الأمة وتأليف القلوب وإنهاء الفتن. وطوبى لمن أدرك اللعبة التي استمرت 14 قرنًا وبسببها طحنت أمة الإسلام في طاحونة الفتنة الكبرى.
وطوبى ثم طوبى لمسقط السلام على جهادها الصامت والناطق من أجل السلام والمودّة بين الأشقاء والجيران، وهنيئًا لشباب أمة الإسلام الوثبة الكبرى نحو مستقبل تنموي وعلمي واقتصادي زاهر. وطوبى لجزيرة العرب بعودة أنهارها وتفتق خَضارها التي بشّر بها نبينا الكريم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلّم.
ولتبقى المقولة التاريخية للعبرة والاعتبار "الصلاة خلف علّي أقوم، والعشاء عند معاوية أدسم والجلوس على التّل أسلم"، ونزيد عليها و"التحّلي بالحلوى العمانية أزكى وأطعم". طوبي لمسقط السلام!