د. أحمد بن محمد الهنائي **
شهدت سلطنة عُمان مع انطلاقة العهد الجديد لمولاي حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- مسارًا تنمويًا على مستوى المجالس البلدية والإدارات اللامركزية في مختلف المحافظات والولايات التابعة لها، ويبرز ذلك من خلال التقعيد التشريعي الذي صدر في الآونة الأخيرة، والذي يتوافق وينسجم مع محاور رؤية "عُمان 2040" التي تتمثل في "الإنسان والمجتمع، الاقتصاد والتنمية، والحوكمة والأداء المؤسسي".
ويعضّد من ذلك إرادة النظام السياسي العُماني نحو تفعيل دور الإدارات اللامركزية، وإشراك هذه الإدارات في عملية اتخاذ القرار خاصة في المجالات المتعلقة بتدبير الشأن العام المحلي، بغية الدفع بعجلة التنمية في مختلف المحافظات، وهو ما أبان عنه النطق السامي في اللقاء السلطاني مع المواطنين من خلال التطرق إلى العديد من النقاط المحورية، والتي تتمثل في: اللامركزية، تطوير المحافظات والمشاركة المجتمعية، إضافة إلى التخصيص المالي للمحافظات، ورفع مستوى الدعم المقدم من عشرة ملايين ريال عماني إلى عشرين مليون ريال عماني، والذي يعد نقلة تاريخية في مسيرة البناء المؤسساتي والتنموي للإدارات اللامركزية الواقعة في مختلف المحافظات، بالإضافة إلى كونه انطلاقة جديدة تستهدف في المستقبل منح تلك الإدارات الاستقلال الإداري والمالي لقيادة دفة القطاعات التنموية في المحافظات بما يتناسب مع الممكنات المالية وتسخيرها في تفعيل وتنمية القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والسياحية وغيرها من المجالات التي تمتاز بها كل محافظة، بغية الوصول إلى تحقيق تنمية وطنية شاملة ومستدامة.
وتأسيسًا على ذلك عمد المُشرع العماني إلى وضع البناء التشريعي الخاص بهذه المرحلة من مراحل البناء التنموي، والذي تكلل في صدور العديد من التشريعات، أبرزها: المرسوم السلطاني رقم (126/ 2020) بإصدار قانون المجالس البلدية، والمرسوم السلطاني رقم (36/ 2022) بإصدار نظام المحافظات، والقرار الوزاري رقم (44/ 2022) بإصدار اللائحة التنفيذية لقانون المجالس البلدية، والقرار الوزاري رقم (92/ 2022) بإصدار اللائحة التنظيمية لانتخابات أعضاء المجلس البلدي.
ومفاد ذلك التأطير التشريعي هو خلق ديناميكية عمل تتوافق وتتناغم في الاختصاصات بين كل من المحافظات والمجالس البلدية. وهو ما أبانت عنه كل من: المادة (6) من نظام المحافظات، التي تضمنت اختصاصات المحافظات، التي تستهدف تنمية مختلف القطاعات في المحافظة، وعلى وجه الخصوص تلك القطاعات الخدمية التي تتصل بالمواطنين. والمادة (10) من النظام ذاته التي أناطت إدارة وتسيير شؤون المحافظة إلى المحافظ، الذي أصبح له صلاحيات رئيس الوحدة المنصوص عليها في القوانين والنظم والمراسيم السلطانية المُطبقة على وحدات الجهاز الإداري للدولة، وهو نص تمكيني لقيام المحافظ بتسيير كافة القطاعات داخل النطاق الجغرافي للمحافظة التي يرأسها.
في حين قام المشرع العُماني بموجب المادتين (11 و13) من ذات النظام بتحديد اختصاصات كل من المحافظ والوالي- وذلك على التوالي- صراحة، وذلك بغية تقنين تلك الاختصاصات على وجه التحديد.
ومن نافلة القول إن تلك الاختصاصات قد عمدت إلى إيجاد نوع من الانسجام والتناغم بين اختصاصات المحافظ من جهة والمجلس البلدي من جهة أخرى، وفق ما أبان عنه البند (6) من المادة (11) من اختصاصات المحافظ والذي نصَّ على أن: "التنسيق مع الجهات المختصة في شأن تحديد استخدامات الأراضي في المحافظة دون الإخلال باختصاصات المجالس البلدية في هذا الشأن".
وباستقراء الرؤية السامية للنظام السياسي العماني، ومطالعة النصوص القانونية سالفة البيان يُلاحظ المتتبع للشأن العماني الاتجاه نحو تعزيز دور الإدارات اللامركزية وتفعيل دور المجالس البلدية، وذلك من خلال ترؤس المحافظ للمجلس البلدي- المادة (8) من قانون المجالس البلدية- وقيامه بإعداد ومتابعة تنفيذ مشروعات خطط التنمية، وكذا قيامه برفع تقرير نصف سنوي إلى الوزير حول أداء فروع الجهات الحكومية في المحافظة.
والبيّن من ذلك تمكين المحافظ من خلال إطلاعه الدائم بسير العملية التنموية في المحافظة سواء أكان من خلال المجلس البلدي الذي يترأسه أو من خلال متابعته لأداء منظومة عمل فروع الوحدات الحكومية داخل المحافظة التابعة له. ومما لا ريب فيه أن تلك الصلاحيات سوف تساهم بشكل فعَّال في إمداد المحافظ بالوسائل والأدوات اللازمة لتطوير البنية الرئيسية للمحافظة، وهي مرحلة محورية من مراحل البناء المؤسساتي والتنموي للمحافظات، تستشرف الانتقال إلى مرحلة الاستقلال الإداري والمالي لتلك المحافظات.
وحاصل القول إن المرحلة الراهنة من مراحل البناء الوطني ستشهد في مختلف المحافظات في سلطنة عمان حراكًا تنمويًا في مختلف المجالات والقطاعات، يتطلب مشاركة كافة فئات المجتمع وبالأخص المحافظات ممثلة في المحافظين، والمجالس البلدية ممثلة في أعضاء تلك المجالس، والإدارات اللامركزية ممثلة في رؤوساء تلك الإدارات. وبغية تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة لتلك المحافظات فإنه لا مناص من وضع التخطيط الاستراتيجي السليم، المبني على البيانات الدقيقة وتسخير العنصر البشري والمكنات المالية ومختلف المُعطيات بما يتلاءم مع العوامل المساعدة والمساندة التي تمتاز بها كل محافظة، في تنفيذ مشاريعها التنموية، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى وجود جهة أو لجان مختصة بتقييم المشاريع المنفذة، في كل قطاع من القطاعات التي تشرف عليها المحافظة، بغية تعزيز الجوانب الإيجابية، والعمل على تنميتها وتطويرها، وتفادي الجوانب السلبية في أي من المشاريع التي قد يعتورها النقص أو الخطأ في التنفيذ، والتي قد تؤدي إلى إعاقة أي من المشاريع أو القطاعات التنموية، ومن ثم التأخير في الإنجاز أو عدم تنفيذه. وذلك مع مراعاة متابعة خطوات تنفيذ تلك المشاريع أولًا بأول وفقًا للخطط المرسومة لكل محافظة، والعمل على حلحلة أي معيقات تواجه عملية تنفيذ جدولة تلك الخطط أو البرامج.
**********
المراجع المعتمدة في إعداد المقال:
1- المرسوم السلطاني رقم (36/ 2022) بإصدار قانون المحافظين.
2- المرسوم السلطاني رقم (126/ 2020) بإصدار قانون المجالس البلدية.
3- القرار الوزاري رقم (44/ 2022) بإصدار اللائحة الداخلية للمجالس البلدية.
4- القرار الوزاري رقم (92/ 2022) بإصدار اللائحة التنظيمية لانتخابات أعضاء المجالس البلدية.
** دكتوراه في القانون الدستوري والعلوم السياسية