وراء كل طالب ناجح معلم عظيم

 

لهية القريني

lahiya21255@gmail.com

 

تمر الأزمنة وتتوالى، وتبقى مكانة المُعلم رائجة وحاضرة بقوة في أي زمان وأي مكان، ويبقى الاحتفاء بهذا المؤثر في قصور لما له من دور كبير في حياة الناس صغارا وكبارا، فالمعلم هو مربي الأجيال وهو قدوتها وملهمها للنجاح للتفوق والنجاح، فكم هي الفرحة والسعادة التي تغمر الطلبة حين يلتقون بمعلميهم ولاسيما بعدما أكملوا دراستهم المدرسية والجامعية، وانطلاقا من مكانة المعلم العظيمة وددت مشاركتكم هذا المقال الذي ما هو إلا واقع حقيقي كلنا نعيشه.

يقف المعلم بكل شموخ وسمو أما طلبته مخاطباً أفئدتهم قبل عقولهم، يقف في الغرفة الصفية المباشرة أو الافتراضية وهو يرى ما لا يراه غيره، يرى تلاميذه كل واحد منهم في صورته في المستقبل أو بمعنى آخر يتخيل طلبته وهو يؤدون وظائفهم في المستقبل، فيرى أمامه المعلم والمهندس والطبيب والعسكري والرياضي  والمحامي والقائد وغيرهم، هو المعلم الذي يستطيع رؤية ذلك هو الوحيد الذي يعرف كيف يُفكر طلبته وهو الذي يقرأ ما يدور في عقولهم وما تتمناه أرواحهم، فيبدأ رحلته في أخذ كل واحد منهم إلى مستقبله وطموحه، فتراه يساعد الطالب الذي يحسن القراءة والخطابة بإشراكه في الإذاعة المدرسية، ولا يكتفي بذلك بل يُساعده في المشاركة في المسابقات داخل وخارج أسوار المدرسة، ثم يأخذ طالبا آخر في عالم الفن لأنه رأى أنامله ترسم الجمال في لوحة بيضاء، كذلك يأخذ بطالب آخر إلى عالم النفحات الإيمانية لأنه يملك صوتا جميلا في ترتيل القرآن الكريم، بينما يأخذ طالبا آخر إلى عالم التصوير لامتلاكه مهارة التصوير، بينما يعطي فرصة دور المعلم الصغير الذي رأى في عينيه عشق مهنة التعليم، ليكون له خلفا في المستقبل ويكمل مسيرة التعليم كما تعلمها من معلمه، وهكذا مع بقية الطلبة من ممثل إلى عازف إلى رياضي، إلى طبيب إلى مُبرمج إلى طيّار إلى غيره.

المعلم المتميز العاشق لمهنته المحب لطلبته، يأخذ بيد الطالب إلى زميله المعلم الآخر صاحب التخصص، ولا أنسى موقف معلماتي وأنا في الصف الثالث الأساسي حيث أخذتني معلمة اللغة العربية إلى المعلمة المشرفة على الإذاعة المدرسية وقالت لها إني امتلك مهارة القراءة والتحدث بلباقة، ومنها بدأت رحلتي الرائعة في الإذاعة واتخذت الميكرفون رفيقاً لي، كما أخذتني معلمة التربية الإسلامية إلى المعلمة المشرفة على جماعة حفظ القرآن الكريم لأجد نفسي أنافس زملائي على المركز الأول داخل وخارج المدرسة، وغيرها من المواقف الجميلة التي لولا وجود معلماتي معي والأخذ بيدي إلى أهدافي وأحلامي لما رأت  تلك الأحلام والأماني النور. والأمر ينطبق على جميع الناجحين في دراستهم ووظائفهم، فكل منَّا له موقف وقدوة في مراحلنا الدراسية خاصة.

وهنا يتبادر سؤال لمن يقرأ ما سبق من حروف، كيف يكتشف المعلم ميول واتجاهات طلبته حتى يستطيع مساعدتهم والأخذ بأيديهم إلى أحلامهم وأهدافهم؟ الإجابة على هذا التساؤل تأتي من توظيف مفهوم "تفريد التعليم" والذي يعني مراعاة الفروق الفردية بين الطلبة ويتم ذلك من خلال تخطيط وتنفيذ وتقويم المحتوى التعليمي، حيث يقوم المعلم بمراعاة أنماط التعلم (البصري- السمعي- الحسي) بين طلبته، كذلك من خلال توظيف الذكاءات الثمانية في العملية التعليمية كما يقوم بتوظيف مستويات العلم والمعرفة (معرفة وفهم- تطبيق- استدلال) ليستطيع كل طالب ما يبحث عنه من معرفة ومهارة، وهنا يكون دور المعلم ملاحظ وموجه ومرشد لطلبته.

هناك أمر آخر يقوم به المعلم ليصنع قادة المستقبل وهو "القدوة"، فالمعلم العاشق لمهنته يصنع عشّاق لمهنة التعليم، عشّاق لوظائفهم في المستقبل، وهنا يجب على المعلم أن ينظر إلى مهامه بتأمل وعمق فينظر إلى دوره العظيم وهو صناعة "العقول"، لاشك أن صناعة العقول أعظم وأجل وأصعب مهنة، ولكن يجب على المعلم أن يكون على قدر المسؤولية في تنفيذ هذه المهنة، ولا يتأتى له ذلك إلا  بمعرفة بجميع خصائص الفئة العمرية التي يقوم بتدريسها، بالجد والتجديد والعطاء بحب وتفان وإيمان خالص بأنَّ مهنة التعليم رسالة عظيمة خصَّ بها الله أشرف وأجل وأعز عباده، فطوبى ثم طوبى لمن كان معلم وأخرج معلما.

قبل الختام.. همسة لكل معلم عاشق لمهنته لا تنسى التجديد والبحث عن الجديد في عالم التربية، فجيل القرن الحادي والعشرين يحتاجون لمعلم يفهم عقولهم ويستوعب احتياجاتهم وينمي معارفهم ومهاراتهم واتجاهاتهم، ولن تستطيع أيها المعلم المتميز الوصول إلى فكرهم إلا إذا اشتغلت على التنمية الذاتية لنفسك من خلال الاطلاع المستمر لروافد العلم والمعرفة ووظفت المهارات العلمية المختلفة مع طلبتك، أيها المعلم المتألق تذكر دائماً أنَّ ما يخرج من القلب يصل إلى القلب فأعطي بقلبك ليصل إلى قلوبهم، وتذكر أيضا أن كل طالب أمامك أمانة الله وأنت أحد أسباب إكماله للتعلم أو تسربه من التعليم، فلا يوجد طالب ذكي وآخر غير ذكي، فخالق الإنسان الله العدل الذي أعطى لكل إنسان نقاط تميز تجعله مختلفا عن الآخرين، فاكتشف نقاط تمز طلبتك لتكون لهم السراج المنير لطريقهم نحو تحقيق أحلامهم.

وفي الختام نرسل كل رسائل الشكر والتقدير والامتنان والإجلال لك أيها المعلم أينما كنت في يومك الخامس من أكتوبر، بل ونرسلها لك كل يوم، وشكرا لك من كل عين ناظرتك وأنت تقف أمامها فقرأتها وفهمت ما ترنو إليه، وأخذت بصاحبها إلى طريق النجاح والتميز والعطاء. وكل عام وأنت في رقي وتألق وعطاء.

تعليق عبر الفيس بوك