هل التدين عندنا هش؟!

 

سالم بن نجيم البادي

 

لست هنا بصدد الدفاع عن سادجورو ولا أتبنى أفكاره، وفي ديننا الإسلامي الحنيف ما يُغني عنها، فهذا الدين شامل وكامل ووافٍ، وإذا كان هو ينادي بالحفاظ على سلامة التربة وكوكب الأرض، فإنَّ الإسلام سبقه إلى ذلك حين نهى عن الإفساد في الأرض كلها، وليس التربة وحسب! كما نهانا الدين الحنيف عن الإسراف والعبث واحترام كل روح خضرة وحث على عمارة الأرض.

غير أني استغرب هذه الضجة التي أعقبت الإعلان عن زيارة سادجورو، وقد كانت بمثابة دعاية مجانية هائلة له، وصار مشهورا بعد أن كان نكرةً لدى الكثير من الناس في بلدنا، وبلمسة إصبع صار الولوج إلى ما ينشر عنه وما يدعو إليه متاحا؛ بل ومرغوبا؛ حيث إن كل ممنوع مرغوب.

أولئك الذين هبوا لشيطنة الرجل ووصفه بأوصاف كثيرة مثل الإلحاد وعبادة البقر إلى تأييده للشذوذ والحقد الذي يضمره للإسلام والمسلمين، قد قدموا له خدمات جليلة من حيث يعلمون أو لا يعلمون، ولفتوا الأنظار إليه، وكان الأجدر بهم الأخذ بالقول المنسوب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه "اميتوا الباطل بالسكوت عنه".

ثم ما المانع من أن يأتي إلينا لعله يرى منِّا ومن إسلامنا التسامح والمحبة والخير والسلام والإنسانية والحضارة، ونحن ورثة إمبراطورية شامخة، وأسلافنا نشروا الإسلام بالأخلاق الفاضلة، لا بحد السيف والقهر، وقد تتغير نظرته السلبية عن الإسلام، ولا بأس من دعوته هو وغيره إلى الإسلام بالحكمة والرفق واللين والقدوة الحسنة.

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلوب، لكن ليس بهذه الفوضى والصراخ والضجيج، وأين ما نفاخر به ليلا ونهارا من التعايش الديني والمذهبي والطائفي؟!

وإذا كنا نعتقد أننا على حق فهو يعتقد أنه على حق ويتشبث بما يؤمن به، كما نفعل نحن، فهل نلومه ولا نقبل أن يلومنا أحد؟! ثم ندخل في جدل لا ينتهي: نحن على حق والآخر على باطل، والآخر يعتقد أنه على الحق ونحن على باطل!

وتظل الأسئلة تلاحق ضحيّ

هل إسلامنا هش للدرجة التي تجعلنا نخاف من تأثير شخص واحد على إيماننا أو شرذمة قليلة ممن ركبوا موجة الإلحاد؟ بينما لا توجد إحصائية عن عدد هؤلاء في عمان، وبعضهم اتُهموا بالإلحاد لمجرد آرائهم المختلفة، والله أعلم بما في قلوبهم.

وهل التدين عندنا يمكن أن تهزه زوبعة عابرة صادف أن مرت على بلدنا لن تلبث طويلا حتى تغادر دون أن تترك أثرا يذكر؟

لقد فشلت كل محاولات التبشير عبر التاريخ في زحزحة الإنسان العماني عن دينه وهويته وثقافته وأصالته العربية العريقة وهو الذي دخل الإسلام طواعية، وكنت قد تحدثت عن فئة من الناس نصّبوا أنفسهم أوصياء على الدين، وهم وحدهم من يفهم الدين، وهم يحبون الترهيب أكثر من الترغيب، وحديثهم عن عذاب القبر والثعبان الأقرع والنار والعذاب والحرام والمكروه والزهد في الدنيا الفانية، بينما الإسلام دين يسر وحب وسلام ورحمة وشفقة وبهجة وسرور. إن هؤلاء هم الخطر على الدين لأنهم ينفّرون الناس ولا يقبلون الرأي المخالف، وحجتهم الدفاع عن الدين، لكنّ الدين باقٍ والله يحفظه، والإسلام هو الدين الأسرع انتشارًا في العالم اليوم. وأذكر هنا عندما فازت الكاتبة جوخة الحارثية بجائزة الرواية العالمية، تفجرت ضجة كبرى تشكك في جدارتها بالفوز، وأنها ما فازت إلا بسب جُرأتها على محرمات الدين، مثل الحديث عن الجنس، وقد كتبت حينها مقالًا عن رواية "سيدات القمر" وحراس الفضيلة، دفاعًا عن الكاتبة والرواية والفوز المستحق. وحين ترشحت بسمة مبارك لمجلس الشورى ثارت ثائرة الناس، وكتبتُ مقالًا بعنوان "خيار بسمة" فانهالت عليّ الانتقادات من كل حدب وصوب؛ لأنَّ بسمة لم تكن تغطي شعر رأسها،

والخشية أن تقتدي بها النساء! وجاءت فترة من الزمن تفجرت فيها قضية "النسوية" وصادف أن انتحرت فتاة، والتي يُعتقد أنها كانت تعتنق هذا الفكر، ولم يتم التبيُن والتأكد من ذلك وقد كتبتُ مقالًا عن هذا التضخيم للأمور، وأوضحت أن موضوع "النسوية" مبالغٌ فيه، وأن من كان يتابع الحديث عن النسوية يُخيَّل إليه أن كل النساء في عُمان قد انخرطن في الحركة النسوية. وحين أحدث بعض الشباب والشابات فوضى وهم يحاولون الاقتراب من الشاب الكويتي كويلي في معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته الأخيرة، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي احتجاجًا وغضبًا على هذا الشاب؛ خوفًا على الأخلاق أن يُخربها، وهو الذي حضر بموافقة مسبقة من الجهات المختصة. فيما تم طرد هذا الشاب من المعرض بطريقة مُهينة، وعندها كتبت "معذرة يا كويلي".

حقيقةً، لا أعلم إلى متى سوف ننساق وراء العواطف الجياشة، عوضًا عن العقلانية والتروي والتفكير المنطقي؟ وإلى متى سوف نظل نختلق قضايا غير ذات شأن بينما كان بالإمكان أن تُعالج الأمور بمقارعة الحجة بالحجة، وليس بالضجيج والصخب عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ولقد سمعت من يقول إن هذه القضايا يتم تضخيمها عمدًا وعن سبق إصرار وترصد وتخطيط مسبق، حتى يتم إلهاء الناس عن القضايا المهمة التي تمس حياتهم اليومية ومستقبلهم! وكأن كل مشاكلنا اليومية انتهت وأصبحنا نعيش حياة الرفاهية في المدينة الفاضلة! ولم يعد ينقصنا إلا الخوف على ديننا من ان يُمس، والدين عزيز وغالٍ، ويستحق أن نفديه بأرواحنا لو كان يواجه المخاطر، لكنه راسخ في قلوبنا كرسوخ جبالنا الشامخة؛ بل هو أشد رسوخًا وثباتًا.

وضحي المسكين يقول لكم إن المنع لم يعد ممكنًا في زمن صار فيه العالم مثل الحارة الصغيرة، والحل في التربية على الدين والأخلاق والمبادئ والقيم والتسامح، من خلال الأسرة ومؤسسات التعليم والمساجد، وتوفير خدمات التعليم المتقدم والعلاج الراقي والوظائف والحياة الكريمة، والبعد عن الكبت والقمع سواء داخل الأسرة أو في المدرسة، وأن نتخلى عن الرقابة المفرطة، والتناقض الصارخ بين تعاليم الدين وما يحدث في الواقع، مع تطوير الخطاب الديني المتزمت لدى كثيرين، والذي لم يتغير ليواكب متغيرات الحياة الحديثة، مع السماح بمساحة أوسع من الحرية المُقننة، وتشجيع الشباب على الإبداع والابتكار والعمل، ومواكبة التطور العلمي والتقني والاختراعات التي تفيد البشرية، وغرس قيم المواطنة في نفوس الناس، وحب الله ثم الوطن.

حينئذ سوف ينشغلون بتطوير الذات وبما هو مفيد للوطن، وترك الناس لرب الناس؛ ليحكم بينهم بالعدل يوم القيامة.