ليبيا في قلب العاصفة

 

 

فوزي عمار *

 

لا يُمكن فهم ما يجري في المشهد السياسي الليبي اليوم بمعزل عن المُتغيرات التي تعصف بالمنطقة والعالم خارجياً وتشخيص الوضع الليبي داخليًا.

خارجيًا هنالك اللاعبون الدوليون خاصة أمريكا وروسيا وحتى الإقليميين مثل مصر وتركيا وبحدة أخف الإمارات وقطر. التدخل الأمريكي الأخير كان واضحًا بعد التواجد الروسي المتمثل في مجموعة فاجنر والتي أزعجت كل من بريطانيا وأمريكا. روسيا عدو تقليدي يعود للساحة الدولية بعد تسوية أوضاعه الداخلية نتيجة سقوط الاتحاد السوفيتي. روسيا وضعت اليوم قدمًا لها في إفريقيا من خلال سيطرتها على إفريقيا الوسطى وتدخلها في انقلاب مالي ووجودها في سرت الجفرة. ولو مرَّ هذا التواجد عبر تشاد لصنعت "كرودور" ممرًا يقسم إفريقيا شقين ويؤمن لها تواجدا جيوبوليتيكيا مهما.

إشعال جبهة أوكرانيا أمس بعد نقل أكثر من 150 ألف جندي على الحدود وتصريحات روسيا بأنَّ 95% من سلاحها النووي تحت أهبة الاستعداد  ليس عبثًا وإنما لتشتيت الضغط الأمريكي على إيران الحليف المُهم مع الصين في تحالف أوراسيا (الصين- روسيا- إيران) ضد الأطلنطي (أمريكا- بريطانيا- أستراليا).

وهو ما كان واضحًا في إلغاء صفقة الغواصات النووية الفرنسية لأستراليا لتبقى أوروبا متمثلة في فرنسا وألمانيا تتأرجح بين التحالف الروسي الألماني في خط الغاز نورد ستريم 2 والعداء الأمريكي/ الصيني ضد فرنسا في إفريقيا.

الانسحاب الأمريكي المُخجل من أفغانستان سبب إهانة للعقل السياسي والعسكري والاستخباراتي الأمريكي. تركيا تستفيد من حالة اللاحرب واللاسلم وهذا ما يفسر قيامها باللعب على التناقضات في المنطقة بين اتفاق واختلاف مع كل من روسيا وأمريكا؛ فالسياسة اليوم- من وجهة نظري- ليست سياسة حلفاء ومحور بل سياسة ملفات ولم تعد سياسة خلافات بمعنى أن تتفق تركيا مع روسيا في ملف سوريا وتختلف في ملف ليبيا. وهذا ما يفسر تحرك روسيا في أوكرانيا حتى تتم التسوية وفق ملفات هنا وهناك حتى حين.

مصر الدولة الجارة التي يربطها تاريخ مع ليبيا وجغرافيا مما يشكل لها الوضع الليبي مسألة أمن قومي فهي تحارب الإرهاب في سيناء ولن تسمح بكشف ظهرها في هذه المعركة المصيرية مثل ما حدث من تواجد إرهابيين في درنة مثل الإرهابي عشماوي الذي قُبض عليه فيها وهو يقود خلية إرهابية هدفها زعزعة استقرار مصر ومقتل مواطنيها على يد داعش في مدينة سرت.

بينما تركيا يهمها الوضع الاقتصادي في ليبيا؛ فهي بعيدة كل البعد جغرافيا، والاهتمام الاقتصادي من خلال اهتمامها بغاز المتوسط خاصة بعد توقيع مذكرة التفاهم مع السراج بالخصوص والتواجد الأمني في ليبيا دون الرجوع للبرلمان الليبي صاحب الحق في مثل هكذا اتفاقيات سيادية.

تركيا التي تعيش اليوم تدهورًا اقتصاديًا جراء سياسات الرئيس رجب طيب أردوغان، الحالمة بعودة الاحتلال العثماني لأرض العرب، وقد خسرت معركة إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، وخسرت مشروع الانضمام للاتحاد الأوروبي النادي المسيحي الذي لن يقبل سياسات أردوغان المتطرفة.

قطر تصارع الزمن للخروج بحل مشرف من خسارتها مصاريف ضخمة تكبدتها بعد فشل مشروع توطين الإسلام السياسي في المنطقة ودعمها لمشروع "أوباما- هيلاري" السابق.

بعد سقوط إخواني دولي كان آخرها تحرك الرئيس التونسي قيس سعيد ضد برلمان راشد الغنوشي وحزب النهضة، إلى جانب خسارة الإخوان الانتخابات في المغرب.

في ما يخص ليبيا داخليًا هناك تحديات أهمها ثلاث قضايا حاكمة في استقرار ليبيا من وجهة نظري:

1- هوية الدولة وعلاقتها بالخطاب الديني.

2- التقسيم والنظام الإداري من حيث المركزية والحكم المحلي (مجلس تشريعي وتنفيذي) أم الفيدرالية.

3- المشروع الاقتصادي وهويته وتنافسيته والتوزيع العادل للتنمية وتموضعه داخل اقتصاد عولمي يرفعه معه. فليبيا تملك أكبر مخزون نفطي في القارة الأفريقية ما يجعلها قادرة على النهوض بسرعة إذا توفر الأمن والاستقرار السياسي.

وآليات تنفيذ الاستقرار يمكن تلخيصها في:

1. تنفيذ الانتخابات الرئاسية والبرلمانية معاً في موعدها في 24 ديسمبر من هذا العام بعد قبول ملفات أكبر ثلات كتل على الساحة السياسية الليبية وهم أنصار النظام السابق ممثلين في المرشح الدكتور سيف الإسلام القذافي وأنصار الكرامة ممثلين في المرشح المشير خليفة حفتر.

وأنصار فبراير ممثلين في المرشح عبدالحميد الدبيبة رئيس الحكومة والمرشح وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا.

والأهم اليوم تعهد كل المشاركين بقبول نتائج الانتخابات.

2. الحل الأمني وبناء مؤسسة أمنية وعسكرية نواتها لجنة 5+5. وتنفيد مخرجاتها.

3. تصميم نموذج اقتصاد مختلط تملك الدولة فيه الموارد مثل النفط والغاز والمعادن والشواطئ وتشتري الخدمة من القطاع الخاص وتتكامل معه ولا تنافسه.

4. تصميم نموذج إداري بحكم لا مركزي أو فيدرالي على المستوى التنفيذي  والتشريعي.

5. مصالحة شاملة وإطلاق المساجين على خلفية قضايا سياسية وليست جنائية وتعزيز حقوق الإنسان وجبر الضرر.

تلك كانت أهم التحديات داخليا وخارجيا.. فهل تخرج ليبيا من قلب العاصفة بأقل الضرر؟

 

** كاتب وسياسي ليبي