الجود ولو بالقليل

 

خليفة بن عبيد المشايخي

khalifaalmashayiki@gmail.com

 

يُقال إن "الذي يده في الماء ليس كالذي يده في النار"، وعليه لا يُمكن أن يشعر الآخرون بذاك المُبتلى، إلا إذا أوقعهم المولى- عز وجل- في نفس الأحوال والمواقف والحياة والظروف.

في هذه الحياة الناس على أصناف مختلفة، فمنهم الطيب والكريم والشهم، ومنهم غير ذلك كمن يكون قد ذاق الذل والهوان والفقر يومًا، وحينما فتح الله عز وجل عليه، ينسى ما مر به من فقر، ويغفل عن ما تعرض له من ضيق أو كدر، فيتكبر ويتمرد، ويحجم عن مساعدة الآخرين، ويعرض عن تقديم العون والمساعدة لهم بحجة أن ما تحصل عليه بعد ذلك بسبب نسبه وعلمه ومنصبه، وهذا النوع من الناس جاهل لا محالة.

بعض الناس الظروف والمواقف الصعبة التي مر بها، تُصقله وتُربيه وتُهذبه، وتُسوقه سوقًا إلى التواضع واحترام الآخرين وتقديرهم وحب الخير وفعله لهم، وقبل ذلك معرفة نفسه هو من.

وفي الحقيقة أنه لا يتواضع إلا المُفتقر إلى الله عز وجل، ولا يكون إنسانا خيرًا إلا المفتقر إلى الله، أما غير ذلك من الناس فمتكبر، إذ إنه يرى نفسه فوق الجميع، ويتعامل معهم على أساس أصله وفصله ولون بشرته وبشرتهم، وعلى أساس العرق والدم وهو ابن من وهم أبناء من.

لهذا تجد إنسانًا أُميًّا غير مُتعلم، ولكنه محبوب من الجميع . تجده خلوقا ومتواضعا ومهذبا، وينزل الناس مقامها.

وإذا لمسته في حاجة في ظلام حالك السواد، قال لك أبشر ولبيك وسعديك، وتجده يتفانى في خدمتك، ويوقرك ويحترمك ويقدرك، ورغم ذلك ليس لديه شيء، ولربما رجل فقير معدم كليًا، لكنه رجل والنعم فيه وعن مئة رجل، لديه صفات طيبة، وأخلاق عالية، وهذه أولاً منحة لهذا الإنسان من خالقه، فهنيئاً له بها وبهذا الإكرام والإنعام الذي من الله عز وجل، فهي ميزة ميزه بها عن غيره من الناس.

وثانيًا تجد هذا الإنسان الكريم الطيب الخلوق الخدوم المحب للخير، اكتسب ذلك من بعض أهله، فأحد من أهله ربما كرماء أبًا عن جدٍ.

كذلك هناك صنف من الناس مختلف عمَّا ذكر، إذ تجده عنده خير كثير ورزق وفير، ولكن يميز به ناس دون غيرهم، ويخدم ناس دون غيرهم، ويُعطي ناس دون غيرهم، وفي تقديم وفعل الخير، تجده يشترط بما لم ينزل به الله.

فإن جاءه صاحب الوجاهة والسلطة وابن الفلان الفلاني مثلا، والفلان الفلاني، يفتح له الأبواب على مصراعيها، ويكرم ويخدم ذاك ويعطيه سؤاله وحاجته كاملة.

وإن جاءه فقير نهره وزجره ووبخه وعنفه، وقال فيه ما ليس فيه، وكال عليه من أصناف الانتقادات وأنواع الكلام بالكثير والكثير، وفي الأخير لربما يخرج ذاك الفقير أو السائل، وهو مجروح مهان لم ينل ما تمنى، ولم يعط حاجته، ولم يلب سؤاله، ولم يعبر ولم يقدر.

فالذي يعامل ويتعامل مع الناس بمكيالين، هذا شخص مرائي غير صادق مع الله مطلقاً، فبصنيعه الذي يخص به ناس دون غيرهم، يُريد السمعة فقط ولا يُريد الأجر والثواب؛ لأن الآخرين لربما يتم الحصول عليهن من ذلك المسكين القريب إلى الله الذي زجر.

ولربما تتذكر- أخي القارئ- أنه "رُبّ أشعث أغبر لا يؤبه له، لو أقسم على اللَّه لأبرّه".

وعندما قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لصحابته عن رجل:" ما رأيكم في هذا- أي الرجل الذي رأوه- قالوا له، إن هذا الرجل لو أراد الزواج سيزوجوه، ولو أراد الشفاعة لأعطي إياها. وسألهم عن رجل آخر بسيط، ما رأيكم فيه، قالوا يا رسول الله: هذا لو طلب الزواج فلن يزوج، ولو أراد الشفاعة فلن يتحصل عليها، فقال لهم: إنَّ لهذا أفضل عند الله من ذاك.

أقول لذاك الذي يشترط في فعل الخير أنه إن كنت من شيعتي فلربما أكون طيبًا وكريمًا معك وسأخدمك، وإن كنت لا، فما يلزمني أن أخدمك أو أساعدك أو أكرمك؛ لأنك ببساطة لن تذكرني مع علية القوم وسادتها ووجهائها.

فسبحان الله من هكذا أُناس وعقول الخير تخص به، وتنهج نهجًا في أن هذا ممكن أساعده، وذاك لا، والسبب؛ لأنه ليس من دمي وليس من عرقي وليس من قومي وجماعتي، ولن يمدحني مع فلان وعلان!

قارئي العزيز.. يقول الحق تبارك وتعالى "وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ"، وقال أيضا: "وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا".

فيا باغي الخير بصدق، ويا طالب الآجر بصدق، نصيحتي لك لا تخص بخيرك وبفعلك ناس دون غيرهم، كن كالغيث نفع حيث وقع، وأحسن الظن في الناس، واعلم أن ما بك من خير فمن الله، وأن خير الناس أنفعهم للناس كافة، وليس لمن هم من عشيرتي والجود بالموجود، خير من عدم الجود نهائيًا أو عدم العطاء مطلقا.

وأذكر هنا الحديث الذي يقول: "إن لله عبادا اختصهم لقضاء حوائج الناس، فحببهم في الخير وحبب الخير اليهم، وهم الآمنين من عذاب الله يوم القيامة".

تعليق عبر الفيس بوك