"طالبان".. المخاوف والهواجس
د. عبدالحميد إسماعيل الأنصاري
مظاهر البؤس والكآبة تعم مدن الأفغان ومشاعر القلق والفزع والرعب تملأ نفوسهم إثر قرب رحيل (الأمريكان) والعودة الوشيكة لطالبان، لكن الأكثر فزعاً وخوفاً وهلعاً هُن النساء، فعداء طالبان لحقوقهن في التعليم والعمل والحركة المجتمعية موقف عقدي ديني لايحتاج برهان !
لماذا الخوف من حكم طالبان؟
لأنَّ الأفغان جربوا حكم طالبان، وذاكرتهم لا زالت حيَّة بأهواله ومراراته وعذاباته. عاش الأفغان في ظل حكومة طالبان قبل 25 عامًا حكمًا شموليًا مرعبًا بقوة الحديد والنار، اخضعوا لتعاليمها اللا إنسانية باسم (حكم الشريعة) والشريعة منها براء.
شكل حكم طالبان كابوسًا ثقيلًا خانقًا كتم أنفاس المُجتمع الأفغاني، وشل حركته وجمد نموه على امتداد5 سنوات تحولت فيها أفغانستان إلى أسوأ مكان يعيش فيه إنسان، ملأته مظاهر البؤس والفقر والكآبة، وعربدت فيه جماعات القاعدة الإرهابية، واتخذته ملاذًا آمنًا للتدريب والتخطيط لإيذاء العالم والعدوان على الآمنين. ضيقوا على الناس وأذاقوهم مر العذاب، وأجبروهم على تغيير نمط حياتهم ومعتقداتهم، وسجنوا المرأة وأجبروا أربعة ملايين أفغاني على الرحيل هربًا من حكمهم المُرعب، حكم أمير المؤمنين الملا عمر!
لكن ربك كان بالمرصاد تداركت رحمته هذا الشعب المغلوب على أمره، فكان تورط زعيم القاعدة بن لادن ضيف أمير المؤمنين، في إدماء أنف المارد الأمريكي في عقر داره فيما سماه في خطبته (فتوح 11 سبتمبر2001 على يد كوكبة من كواكب الإسلام وطليعة من طلائعه، فتح الله عليهم فدمروا أمريكا تدميرًا، أرجو الله أن يرزقهم الفردوس الأعلى) إيذاناً بزوال حكم طالبان.
كان من تداعيات زلزال عدوان 11 سبتمبر، أن انطلق المارد الأمريكي غاضبًا ناقمًا ليزلزل العالم كله خاصة الأرض العربية والإسلامية التي أخرجت خبثها تراكمات السنين مواريث القمع والإقصاء والتعصب، وتوحد الشعب الأمريكي خلف رئيسه كما لم يتوحد منذ كارثة (بيرل هاربر 1941) وفوضه في تعقب الجناة، فدك دولة طالبان وأسقط حكمها وحرر الأفغان، ثم عمد إلى القاعدة فشتت شملها وشردها، وتعقب زعيمها في كل مكان حتى تمت تصفيته، ولاحق فلولها قتلاً في مخابئها وأسراً في أقفاص حملاً إلى معتقل غوانتنامو الرهيب، وتلك عاقبة الظالمين.
طالبان ميليشيات دينية تعصبية منغلقة، تعادي كل مظاهر الحياة المعاصرة، تتبنى الإقصاء والتمييز سياسة ضد كافة الأطياف الدينية والعرقية، وتتخذ العنف أسلوبًا في فرض مفهومها للشريعة على المجتمع الأفغاني بالقوة.
عندما حكمت جماعة طالبان، كان أول عمل قامت به هو إصدار دستور دولة طالبان (مرسوم المحرمات) تضمن هذا الدستور قائمة من المحرمات (الكبائر) التي يُعاقب عليها الشخص إذا خالفها، منها:
تحريم حلق اللحى، تحريم الشعر الطويل، تحريم الطبول والغناء والموسيقى والرقص، ومن ضبط يستمع إلى الموسيقى يجلد، وإذا ضبط شريط غناء في محل يُغلق ويسجن صاحبه، وتحريم الكاميرا والتلفزيون والسينما والفضائيات والشطرنج وجميع وسائل التسلية والترفيه.
أما نصيب المرأة من المحرمات فهو الأكبر، فرض الغطاء الأفغاني (البركة) عليها لتصبح شبحًا أسود لا تكاد ترى ولا يرى منها شيء، وتعاقب من لا تلتزم وزوجها بالسجن، وتوضع علامة تشهير على بيتها، فرغت المؤسسات التعليمية من المدرسات، والمستشفيات من الطبيبات والممرضات، وأجبرن على ملازمة البيوت وترك أعمالهن.
كانت محنة المرأة الأفغانية كارثية، حتى التسول منعن؛ لأنها قد تكشف باطن كفها للمتصدق !
اليوم، بعد عشرين عامًا من وجود (الأمريكان) نعم فيه الأفغان بالسلام والاستقرار والأمان، قرروا سحب قواتهم إيذاناً بالرحيل ليتركوا الأفغان يواجهون مصيرهم المظلم مع طالبان. هناك نقد شديد لهذا القرار ولوم أشد، لكن هذا قرارهم وهم غير ملومين، فإذا كان الأفغان لم يتمكنوا من تطوير أوضاعهم للمواجهة بعد هذه المدة، فإنَّ أمريكا لا تستطيع البقاء للأبد، كما أنها لا تستطيع مساعدة من لا يساعدون أنفسهم !
كاتب قطري