عطرُ الحب

جيهان رافع

قال الإمام علي -كرّم الله وجهه-: "دواؤك فيكَ وما تشعرُ.... ودواؤكَ مِنكَ وما تُبصِرُ.... وتحسبُ أنكَ جرمٌ صغيرٌ.... وفيكَ انطوى العالمُ الأكبرُ".

وقال الشاعر العُماني هلال بن سالم السيابي: "سمراء إني إلى عينيكِ ألتجئ ....فقد سرى في ضلوعي الجوع والظمأ.... تلك المرافئ في عينيكِ مُلتجأ .... من الدوار إذا ما عزَّ ملتجأ".

في هذه الأوقات التي تمرّ علينا من دون حسابات مُسبقة تدهشنا بحدّتها أحيانًا ولينها أحيانًا أخرى أتساءل: كم نحن بحاجة ماسّة للحب؟ فبالحب تُبنى دول وبالحقد تنهار الأوطان والبشر.

عندما نكتب الحب تنبت على أوراقنا الورود وينتثر النور، تسري في عروقنا الحياة فنصمد بوجه الأحلام الزائفة التي حلمنا بها وسرقها من أوقاتنا هذا الوباء وسرقوها من قلوبنا تجّار الأرواح والبشر فهم يقومون بالحروب الاقتصادية والبيولوجية والتدميرية ونحن ندفع الثمن من حياتنا وأعصابنا وصحتنا الجسدية والنفسية وطموحاتنا، هم يفتعلون الخوف ونحن ننهار من شدّة وطأته على نفوسنا، فكم نحن بحاجة للحب؟ الحب يجعلنا نشعر كأننا ما زلنا على قيد الحياة العادية التي فقدناها يأخذنا من قلقنا إلى مستوى نفسي أقل اضطرابًا.

إذا لم نعِشْ حالة الحب فلنكتبها وننثر في مقالاتنا وصفحاتنا الحب كي يستطيع النَّاس قراءة أشياءٍ يحلمون بها أو تخفف من وطأة الأخبار المُقلقة على أعصابهم لنكن تلك المساحة التي يعيش بها الفرد حالة مميزة ولو قليلًا، وكما قال الشاعر زين بن بيّه: "إن ماتت الأحلامُ في غاباتنا ....فلسوف يحييها غدًا صوتُ المطر".

كتاباتنا تدلّ على ما يعترينا وأقوالنا تشيرُ إلى هوية تفكيرنا وتُميّز صفاء سريرتنا من شوائبها فما ينطق به اللسان إمّا أن يكون مليئًا بالحب والنقاء فينهض بنا نحو السلام الداخلي والخارجي في علاقاتنا فلا يجب أن ننتظر رد الفعل الجيد لأننا نقول ونفعل لأنفسنا ولمكانتها عند الله أولا وفي نظرتنا لسريرتنا ثانيًا وإذا كانت أقوالنا وأفعالنا زائفة فذلك سينشر الحقد ومنه ستنهار الأجيال التي لا ذنْبَ لها سوى أنها تربت في جو الحقد وسنشارك في انهيار الأوطان أكثر فأكثر.

لنستمتع ببعض ما قاله في الحب الأديب العُماني محمد قراطاس:" كلُّ هؤلاءِ أمامي وهم... وأنت الحقيقي.... كلُّ هذا الضجيج صدىً.... وأنت الصوت... كلُّ هذا البعد سرابٌ.... وأنت المسافة... كلُّ هذه الأرض ...خرافة ... وأنت السماء".

 لنكتب ونُغني ونقول نعم للأمل ولا للبؤس.

والآن لكم ما نثرَتْ محبرتي فيما يتعلق بفكر الكاتب أو الشاعر عندما يُقدِمْ على الكتابة:

وسطَ خواء الصفحات ...على وقع دوران الحبر في رأسه وغليان الدواة في تشرّد البوح ...يحطُّ النبضُ ضوءَ روحٍ يحاورُ تعبَ السنينَ الهاربة....كرحلة المراكب التائهة أغرقَها العطشُ بالماء...مصلوبُ الحلمِ في قفصه الصدريّ ذي القضبان المُهترئة في سجن الذاكر وفقدانِ البوصلة...ما بال عشقِ الأرض كصليلِ الحبّ في دمه يلتهمهُ على موائد الضياعِ...يُغلقُ بابَ الحنينَ خلفه.... فيتسلل من تشققات صلابته.

 وفي الحب نثرتُ بعضًا منه: سلامٌ لنهر عطرك الخالد في عروقي.... يا عشقاً بألف عمقٍ غرستُهُ في دمي    فأثمرَ من اللهفةِ مليونَ ساقيةٍ موسيقيّةٍ أبتْ في عزّ الغياب أن تتجمّدَ.