دعوة حب من ورد وجبل

جيهان رافع

عندما تسير بك الدنيا في طريقها المليء بالمطبات، فعليك اتخاذ طريق الورد وتلبية دعوته إلى الجبل الأخضر الذي ينتعش صدرك به ويشفيك من تقلبات المزاج من وجود العابرين؛ ففي حضرة العطر أنت في قلب الأوقات العطرة الجميلة، أنت في حضرة الاستجمام والتغيير والهواء النظيف.

ومن ارتفاعٍ يبلغ حوالي 3000 متر يطلُّ علينا الجزء الأخضر من سلسلة جبال الحجر يفوح منه عطر الورد، يهدي الشمس قبلةً أولى من شموخٍ، ويهدي نزوى القبلة الثانية من تاريخٍ سطّر في عُمان أجمل الحكايات، جادَ على زائريه بأعذب ألحان الغروب، وأقوى مشاهد الشروق شوقًا للنسيم الصباحي العليل، رسم في سمائه أغرب اللوحات من الغيوم، واستمع لأحاديث الطيور بهيبة رهافة إحساسٍ، هو الذي يبعد عن مسقط العاصمة 170 كيلومترًا لكنه الأقرب لقلب حاضنته الأرض العمانية الجميلة، تكلَّل الجبل الأخضر بحقول الورود التي صارت مصدرًا لماء الورد.

وفي نهاية كل أسبوع، يذهب الذين يشعرون بالتوتر الصادر من أيام العمل الطويلة والصادر أيضًا من موجات التعب النفسي الذي يسببه "كورونا" بأخباره، ولا بدّ من ذكر بعض الأعراض لحالات نفسية ناتجة عن تلك الأخبار، ومن التعرض للحجر إذا أصيب الشخص، وقد يكون هذا الشخص ينفّذ جميع إجراءات الوقاية، ولا ذنب له، لكنَّ إهمال البعض من الذين يستهترون بكل شيء ويظنون أنهم شجعان، وذلك أدى لتفاقم حالات التوتر والضيق النفسي؛ فتأتي دعوة ورد الجبل الأخضر بمكانها حتى يقدم لك جميع أنواع الراحة والتنفس الجميل؛ مما يؤدي لرفع المناعة الذاتية عندك، كما يقلل من الضرر النفسي والخوف؛ فهي رحلة في أجواء العطر البلدي المحفوف بأصالة عمانية متميزة.

يُحكَى أنَّ رجال الجبل بدأوا بزراعة الورد منذ زمن بعيد؛ حيث أجاب أحدهم عندما سُئل منذ سنتين تقريباً حينها كان يبلغ 77 عاماً: "بدأت بالعمل في تقطير الورد والعناية بشجر الورد منذ كان عمري 12 سنة تقريبًا".

اشتهرتْ بعض قرى الجبل مثل العين والشريجة والعقر بجمالية المدرجات الزراعية التي تُضفي على المشهد عراقة الجمال والطبيعة في تلك المناطق، يهتم المزارعون بأكثر من صنف للشجر، خاصة الرمان والعنب والمشمش والتين، وتأتي زراعة الورد بقمة اهتماماتهم فهي العراقة بحد ذاتها التي توارثتها الأجيال؛ حيث يمثل ماء الورد المستخلص من ورد الجبل بصمة ذات طابع خاص في الحياة اليومية العمانية.

وهي شجرة تعد من أقدم أنواع النباتات، وتمر بمراحل متعبة وممتعة بآن من التقليم إلى حراثة الأرض والتسميد أحيانًا؛ لأنَّ البعض يتركها تعيش على نصائح الأجداد (بعل) أي على تربة الجبل الأساسية خالية من أي إضافات، وهنا تكمُن أسرار العطر الجميل، إلى مرحلة القطاف التي تتم في أواخر شهر مارس من كل سنة، وللقطاف طريقة خاصة متوارثة منذ القدم، فيفضل القطاف قبيل شروق الشمس أو قبيل الغروب؛ نظرًا لاحتفاظ الورد بكمية من الماء والندى، ثم يتم تجميعه وأخذه إلى مصنع الورد، ويطلق عليه اسم الدهجان؛ حيث تتم فيه عملية تقطير الورد بطرق تقليدية أصيلة بقمة العناية، وضمن شروط خاصة متأصلة، كأن يكون صانع ماء الورد نظيفًا لا يستخدم أيَّ مواد كيميائية تؤثر على ماء الورد، والآن -وضمن مبادرات شبابية- تم تطوير بعض الوسائل، مما يُؤمِّن مصدر رزق لعوائل كثيرة وفي مبادرة جميلة لمشاركة الزائرين طريقة قطاف الورد كما يفعل أهله وأطلق عليها رحلة الورد.

رحلة ممتعة بين شجر الورد، وتجربة فريدة جميلة نتمنَّاها للجميع.