نقطة مركزية

 

جيهان رافع

لست ممن يقدمون النصائح لأحد لكن كم أود أن أرى الصدق يعم الكون فالخداع لوّث كل شيء ووسائل الأذى كالطوفان تُغرق العالم!!

كنّ واثقًا بأنَّ الخير الذي في داخلك سيحوّل أشواك دروبك الصعبة إلى ورود لكن احذر أن تدوسها عند الوصول.

كانت إجابة مارغريت ميد عالمة الإنثروبولوجيا مرتبطة بمجموعة معطيات ولم تقف عند العلم والتوثيق البحت لعلوم الإنثروبولوجيا حين وجه إليها طالب من طلابها سؤالا عن أولى علامات وجود الحضارة في وجهة نظرها، في تلك اللحظات كان الطالب ينتظر إجابة عن خطّاف السمك أو أواني الفخار أو الطواحين الحجرية، كما يستشف من بعض الوقائع التاريخية التي تُعنى في تحديد ما احتاجته الحضارات القديمة، وجاءت إجابة مارغريت: نشأت الحضارة في الثقافات القديمة كانت "الكسر في عظمة الفخذ ومن ثمَّ شفائها ثم أوضحت ذلك متابعة لإجابتها" إذا كنت تعيش في المملكة الحيوانية فإن حدوث كسر في عظمة الفخذ يؤدي إلى الموت لأنك لن تستطيع الهروب من الخطر أو الوصول إلى النهر للشرب أو الصيد لتكسب طعامك من ثم تتحول إلى فريسة سهلة".

ثم أردفت للشرح عن غايتها في هذه الإجابة"إن شفاء عظمة فخذ مكسورة هو دليل على أن أحدهم كرّس وقته للعناية بالشخص المكسور فمنحه الوقت الكافي لتضميد جراحه وحمله إلى مكان آمن بعيدًا عن مرمى الحيوانات الضارية حينها ثم بقي في قربه يعتني به ويجلب له الطعام والشراب وأمن له الحماية من كل شيء يؤذيه أو يُؤخر شفاءه حتى اكتملت عملية التعافي، وبناء عليه نجد أن الحضارة بدأت حين قرر أحدهم مساعدة الآخر ليتجاوز محنته، إن مساعدة شخص لشخص آخر في مواجهة الصعوبات هي نقطة مركزية وقرار لبدء الحضارات".

ها نحن في نقطة مركزية تعتمد في الغالب على الخير الموجود في داخلنا إذا كان لنا منه هدف معيّن أم أننا نقدمه من دون انتظار المقابل، مع أن جميعنا يحب الثناء والتقدير لكي يستمر في العطاء من دون ألم التجاهل وعدم التقدير، لكن المصالح المشتركة أو الغاية من بعد تقديم المساعدة تُلغي المعنى الحقيقي للخير فتختلط الأمور علينا هل نحن نقدم المساعدة بهدف نيل الخير من الله وليس من الإنسان الذي ساعدناه أم أننا نسعى إلى هدف محدد ونخطط لنيله بحجج تقديم الخير؟ وهل نحن على قدرٍ كافٍ من الوعي كي نميز بينهما، بين الخير غير الهادف والخير الهادف؟ وهنا تكمن إجابتنا لأنفسنا هل ما نقدمه سينمو ويتكاثر بالإيجابية علينا أم أنه سينقلب عكس توقعاتنا؟ ذلك النقيض الذي إذا أتقنا الفصل فيه سنكون ممن تمطر رحمة الله على أعمالهم الخيّرة فتنمو وتتكاثر أضعافًا مضاعفة ولو بعد حين، هناك حِكمة صار خلل في شرحها وفهمها وهي: (حسب نواياكم تُرزقون) إن المقصود في هذه الكلمات ليس المال فقط فمن الممكن أن يكون العائد الإيجابي لأفعالك الخيرة ليس مالًا بل رزقا ربما يأتي على شكل سلامة الأولاد وحمايتهم أو إنجاب الأولاد بحد ذاتهم رزق أيضًا، أو على شكل رحمة ربانية بصحتك وسترك وإعلاء شأن نيتك في محبة الناس ومساعدتهم لك في كل ضيق.

إن من ينوي خير يتلقى الخير والله بما في النفوس أعلم وإنه كل شيء قدير.