مسؤولٌ ينعم.. ومواطنٌ يدفع!!

مسعود الحمداني

samawat2004@live.com

مُعظم النَّاس يعرفون ما هو سبب الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، ولكنهم يُغرّدون بعيدا عنها، ومُعظمهم يعلم الحل، ولكنهم لا يستطيعون البوح به، أو التطرّق إليه، لأنَّ هناك كمية من المحاذير القانونية، والإعلامية والأمنية التي تمنعهم من الكلام المباح والمباشر عن المشكلة، والتي أصبحت قضيةَ وطنٍ مصيرية، يدفع ثمنها المواطن البسيط، بينما ينعم المترفون والمتسبّبون بها بمنافعها، ومكاسبها، ولو ظل الأمر على ما هو عليه- بعيدا عن الشفافية والإشارة المُباشرة لأصل المشكلة وحلها- لانطفأت الكثير من الأرواح الوطنية المُتقدّة، ولفقد الناسُ الحماس للحلولِ الحكومية التي تُحاول إصلاح ما أفسده آخرون على حسابهم، في وضعٍ لا ناقة لهم فيه ولا جمل.

ففي كل يوم يضيق الخناق الاقتصادي على الناس، ويجدون أنفسهم جزءا من حلولٍ لمشكلةٍ تسبب بها غيرهم، وتورّطوا هم فيها، مسؤولون كانوا في المناصب كبّلوا الوطن- حين كانوا- بديونٍ ثقيلة، وعجوزاتٍ لا قدرة له بها، فكلُّ مشروعٍ تأخر تنفيذه كلّف البلاد نزفاً مالياً متراكما، وكلُّ شركةٍ حكوميةٍ خاسرة أجهدت خزينة الدولة بمبالغ باهظة، وكلُّ شهادةٍ أكاديميةٍ وهميةٍ ومزوّرة أوصلت من لا يستحق لما لا يستحق، وكلُّ خطةٍ خمسيةٍ لم تُنفذ أرجعت البلاد خمس سنوات للوراء، وكلُّ تباطؤ وتلكؤ في خطط تنويع مصادر الدخل- الذي نادت به الحكومة منذ السبعينات- يدفع ثمنه جيلُ الألفية الآن، وكلُّ أرضٍ بيضاء استحوذ عليها متنفّذون استنزفتْ أراضي الدولة حتى أصبحت الحكومة تُردد مقولة شاعت حتى ماعت، معلّلة طابور المنتظرين بسبب: (شح الأراضي، وكثرة الطلبات)، وكلُّ تضخمٍ لثروات البعض وراءه ألف سؤال وسؤال لم يُطرَح بعد، وكلّ ثروةٍ طبيعية أو بقعةٍ سياحيةٍ لم تُستغل ولم تستثمر وراءها سوء إدارة لا يُغتفر.

هذه هي بعض الأسباب- وليس كلّها- التي أوصلت البلاد إلى الوضع الحالي، والتي يترنّح المواطن الآن تحت وطأة نتائجها، ويئن بسببها، ويصرخ بأعلى صوته، لأنَّ الجميع أصبح في ذاتِ المركب، وفي وجه العاصفةِ الهوجاءِ التي تتقاذف السفينة، حتى صار الوضعُ عاماً، وأصبحت الحكومة في معركة شرسة وطويلة وقاسية تحاول إصلاح ما أفسده الدهر، وأضاعه المستهترون، والتهمته حيتان الوطن الكبيرة. ولأنَّ الحلول محدودة، فكان لابد أن يدفع المواطنُ البسيط ثمن أخطاء ارتكبها غيره، ويدفع بالإنابةِ فاتورةً مرهقةً لأفرادٍ تنعّموا بثروات الوطن، ونعمِه، وأُثروا بسببه، غير أنَّ المصائب تعمّ، والنعم تخص- كما يُقال- لذلك لم يكن هناك بد من أن يشارك هذا المواطن الكادح في "ملحمة بطولية" طويلة تلتهم ما ادّخره في سنوات الرخاء، لكي تنعم الأجيال اللاحقة وتستذكر ما ضحّى به آباؤهم وأجدادهم لأجلهم ذات زمن.

لو أنَّ الدولة عاقبت كلَّ مسؤولٍ عن هذه الأزمة التي أوصلت هذا الوطن إلى ما هو عليه، وجعلتهم يدفعون "جزءا" من ثمن ما اقترفوه، لطَهّرت أرواحهم على الأقل من درن جرائم ارتكبها "بعضهم" في حق وطنهم، ولو أنَّها قامت بمصادرة مئات الأفدنة التي استولى عليها البعض دون وجه حق، لما كانت هناك مشكلة "شح أراضٍ"، خاصةً في مُحافظة مسقط، ولو أنها شَهّرت بأصحابِ الشهادات المزوّرة لما تجرأ أحد منهم على الاحتيال، ولو أنَّها سمحت بنشر قضايا الفساد بالأسماء والتشهير بأصحابها في وسائل الإعلام المختلفة لتردد المفسدون ألف مرة قبل أن يجرموا في حق الوطن، ولو أنَّها ساءلت أولئك الذين تباطأوا في تنفيذ المشروعات الحكومية وكبّدوا الدولة ملايين الريالات، لاجتهد المسؤولون في متابعة وتنفيذ المشاريع في وقتها، ولو أنها قامت بمحاسبة المسؤولين عن تأخير تنويع مصادر الدخل وجعلتهم يدفعون ثمن الاعتماد على المصدر الواحد، لأوجدت آلاف فرص العمل للشباب الذي بات على أبواب المجهول، ولو أنها قامت ببتر يد كل فاسد ومُفسد لاتَّعظ من توسوس له نفسه بالإساءة لوظيفته.. لو أن الحكومة قامت بكل ذلك- وأكثر- لجنّبت المواطنين دفع تكاليف فاتورةِ أخطاءٍ ارتكبها مسؤولون كانوا على رؤوس أعمالهم، ونجوا من تحمّل الجريمة والعقاب، ويدفعها الآن المُواطن البسيط بالنيابة عنهم.