التوحُّد.. صعوبة التشخيص وأنماط التعلم

سلمى بنت علي العلوي *

يعدُّ تشخيص التوحُّد من أكثر الاضطرابات تعقيدا؛ بسبب تشابه أعراضه مع أعراض اضطرابات أخرى كالإعاقة العقلية، وفصام الشخصية، والتخلف العقلي، وكذلك وجود إعاقات مصاحبة للتوحد في أحيانا كثيرة. ويعتمد تقديم المساعدة والتأهيل والتعليم المناسب لأطفال التوحُّد على التشخيص الصحيح لهذا الاضطراب.

ويُصيب هذا الاضطراب حوالي 50 طفلا في كل 10000 ولادة حية، ويحدث في كل المجتمعات بغض النظر عن اللون والأصول، والعرقية، أو الطائفية، أو الخلقية الاجتماعية. وفي ظل تفاقُم هذا الاضطراب بين الأطفال، وجب التعرف على أنماط التعلم الخاصة بهم من أجل ضمان تعلمهم بطريقه صحيحة؛ بما يضمن اكتسابهم للمعارف والسلوكيات الصحيحة بسهولة ويُسر.

وتُشير الأدبيات التربوية إلى أنَّ المشاركة النشطة للأطفال تشعرهم بالتمكن والثقة بالنفس، وتنعكس إيجابا على نجاحهم وتقدمهم، ويدفعهم للتعلم الذاتي، ولكن هذا لا يتأتى إلا بالتعرف على أنماط تعلمهم المناسبة.

ومن هذا المنطلق، يعدُّ فهم كيفية تعلم الأطفال محورا مهما في اختيار إستراتيجيات تعلمهم المناسبة، كما أنَّ تجاهل الفروقات الفردية بين الأطفال وأنماط تعلمهم يتعارض مع التوجه العالمي والدعوات إلى التعلم داخل الصفوف غير المتجانسة؛ وبالتالي لابد من إتاحة الفرصة للطفل التوحدي للتوصل إلى الوسائل والطرق والمداخل المناسبة لتدريبه وتعليمه.

ويعرف النمط التعليمي على أنه الأسلوب الفردي الذي يفضله الطفل لتأدية المهام التي يطلبها منه الإخصائي، وهو أسلوب التعلم الذي يفضله الطفل أكثر من غيره من الأساليب في تدريبه وتعليمه، وبه تتم معالجة المعلومات وتخزينها وترميزها واسترجاعها، كما أن أنماط التعلم تعلمنا كيف يتعلم هذا الطفل. فعلى سبيل المثال، نجد أنَّ طفلًا يتعلم الأرقام باللعب، وآخر يتعلمها بالكتابة، في حين نجد طفلا ثالثا يتعلمها بالغناء أو الأناشيد...إلخ.

وقد أكَّدت الدراسات أنَّ مُراعاة أنماط الأطفال التوحُّديين أثناء تدريسهم يؤدي لنتائج إيجابية، وتحسن ملحوظ في تحقيق الأهداف المطلوبة منهم، كما أنَّ مراعاة أنماط تعلمهم تخفف العبء على الإخصائي وتختصر جهده ووقته، علاوة على أنه يعطي مؤشرات حقيقية عن مدى استفادته من يومه الدراسي.

ويلعَب إخصائي التوحُّد دورًا مهمًّا في عملية التعرف على الأنماط التعليمية المناسبة للأطفال، وذلك بحكم قربه وعلاقته بهم. ومن أنماط التعلم الشائعة لدى أطفال التوحد: الأنماط البيئية، الأنماط الوجدانية، الأنماط الاجتماعية، الأنماط الجسدية والأنماط النفسية، ويندرج تحت كل نمط عدة عناصر على سبيل المثال يندرج تحت الأنماط الجسدية عناصر تمثلت في: الحس، الوقت، الحركة، علاوة على ذلك يندرج تحت كل عنصر من هذه العناصر عدة عناصر فرعية، فيندرج تحت عنصر الحس عناصر؛ تمثلت في: لفظي بصري، بصري، سمعي وحسي حركي، فتجد أن الطفل التوحدي يمتلك مهارات قد تكون أفضل من قرينه في المجتمع، لكنها مهارات قد تكون بصرية مقترنة بتعليمات لفظية، في حين تجد طفلا توحديا آخر يستقبل المعلومات عن طريق البصر، ولكن لا يرغب في القراءة أو الكتابة من الكتاب، وهنا يجب على الإخصائي استبدال الكتاب بالوسائل المرئية كالصور والأشكال المرسومة؛ فهو يفكر بالصور لا الكلمات. وتختلف أنماط التعلم من طفل توحدي إلى آخر حسب شدة الاضطراب.

وأخيرا.. يجب أن ينعم أطفال التوحد بحقوقهم في التعليم والتربية كغيرهم من أبناء المجتمع، ولابد من التكفل بهم في المدرسة والمجتمع؛ وذلك بإعطائهم الفرص المناسبة حسب قدراتهم، وعلى القائمين برعاية الأطفال التوحديين مُراعاة النمط التعليمي المحبَّب لديهم؛ من خلال الملاحظة المباشرة لاستجاباتهم للمهمات.

* باحثة دكتوراة - كلية التربية بجامعة السلطان قابوس، مُدربة في مجال الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة