أطفال التوحد والشاشات الإلكترونية

سلمى بنت علي العلوي *

كثيراً ما يتردد على مسامعنا تأثير الشاشات الإلكترونية على الأطفال بشكل عام، وعلى أطفال التوحد بشكل خاص. وقد ظهر مؤخرا مصطلح "التوحد الافتراضي" الذي يُصيب الأطفال بشكل عام بسبب قضاء ساعات طويلة على الشاشات الإلكترونية سواء للعب والترفيه، أو للتعلم والاستفادة من التطبيقات التي باتت تسيطر على أغلب المواقف في حياتنا من تعليم وتدريب وتأهيل. وهذا إن دل سيدل على أنَّ الأطفال غير المصابين بالتوحد عرضة للإصابة بأعراض التوحد بسبب هذه الشاشات الإلكترونية.

وقد استوقفني كثرة الدراسات التي أجريت حول الأضرار التي تسببها الشاشات للأطفال، والتراجع الذي يحدث لنموهم الاجتماعي واللغوي، وتركيزهم وانتباههم، واستقرارهم النفسي. وكثيرا ما تردد على ذهني سؤال واحد، ألا وهو إذا كان أقران الطفل التوحدي يتأثرون بشكل سلبي بالشاشات الإلكترونية وبدرجة كبيرة، فماذا عن الطفل التوحدي والذي لديه أعراض واضطرابات مُتعددة؟

أثبتت الدراسات أنَّ قضاء الأطفال التوحديين أوقاتهم أمام الشاشات الإلكترونية يُؤدي إلى تفاقم حدة الأعراض التي يعانون منها، حيث تخفض الشاشات إفراز الميلاتونين ليلاً مع تثبيط حركة العين السريعة، وهي الفترة التي يقوم فيها الدماغ بصيانة نفسه، كما تجعلهم الشاشات عرضة للتوتر واختلال الاتزان العاطفي، علاوة على ذلك تعيق الشاشات تكامل وتطور الفص الأمامي من الدماغ، مع انخفاض في التواصل بين أجزاء الدماغ عبر خفض المادة البيضاء، وأخيرا ضمور المادة الرمادية في الفص الأمامي من الدماغ، إضافة إلى ذلك تعمل الشاشات على تفاقم مشكلة العزلة الاجتماعية التي يعاني منها هؤلاء الأطفال، وارتفاع معدل القلق لديهم.

وبما أن أطفال التوحد يعانون أساساً من كل هذه الأعراض، فإنَّ الإدمان على الشاشات الإلكترونية يؤدي إلى تفاقمها وزيادتها، ويجعل العمليات الحسية أسوأ، ويعرضهم للهلوسة، والوسواس القهري، وضعف مهارات التكيف، وتدني قدرتهم على التعلم وصعوبة تعديل سلوكهم.

في المقابل، تعد الشاشات الإلكترونية بمختلف الوسائط التي تتضمنها مفيدة للأطفال التوحديين بشرط اتباع تعليمات معينة تحت إشراف المعلم أو إخصائي التوحد، وفي أوقات وساعات محدودة، ومبنية على وسائل التعليم الفعالة، حيث بإمكانها أن تساهم في سهولة تعلم الأطفال التوحديين كتابة الكلمات، ونطقها، وبناء وتركيب الجمل، وكتابة ونطق الحروف والأرقام، والتعرف على الصور الضمنية وغيرها من المواضيع التي يتعلمها الأطفال التوحديين بالتكرار والصوت والصورة.

يبقى السؤال، هل نحن بحاجة ماسة إلى هذه التقنيات التي تزيد من حدة أعراض التوحد بحجة الاستفادة منها في عملية تعليمهم وتأهيلهم؟ أما آن الأوان لاتخاذ موقف حاسم بإبعادها نهائياً عن الأطفال التوحديين، وإطلاق العنان لهم للتعافي والتعلم بعيدا عنها بطرق أخرى؟

من وجهة نظري، أجد أن البدائل كثيرة لطرق وأساليب تعليمهم وتأهيلهم، والطفل التوحدي لديه من الأعراض ما يكفيه ولا ينبغي علينا نحن كمربين أن نحمل هذا الطفل عبئاً آخر، كما أن إبعاد الطفل التوحدي عن الشاشات بجميع أنواعها سواء شاشات التلفزيون أو الأجهزة اللوحية، أو الهواتف الذكية هو من أنجع الطرق لحمايته من تفاقم الأعراض التي يعاني منها. كما ينبغي ألا نترك للأطفال الحرية في اختيارها سواء كان للتعليم أو للتأهيل لاسيما وأنهم في كثير من الأحيان غير مدركين لأفعالهم.

* باحثة دكتوراه بكلية التربية جامعة السلطان قابوس، ومدربة بمجال الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة