حمود بن علي الطوقي
قصة تاريخية مثيرة جدا تذكرتها هذه الأيام، أيام الأعياد والمناسبات؛ حيث تحظى الحلوى العمانية بطلب متزايد من قبل المواطنين، تنفرد بمذاق خاص وسمعة طيبة، ورغم شهرتها الواسعة، إلا أنها ظلت "ماركة" عمانية تسوّق داخليا بطريقة تقليدية، ولم يهتم أصحاب هذه المهنة باتباع أسلوب تسويقي لكي تتعدى حدود المحلية، وتصبح علامة تجارية عالمية متداولة في كل بقاع الأرض.
أسوق في هذه السطور قصة جميلة وظريفة، بطلتها الحلوى، وقد حكاها لي الأخ الصديق سعيد بن مالك الكندي الذي عمل دبلوماسيا لسنوات في السفارة العمانية بالرباط في المملكة المغربية، وقال إنه أثناء زيارة قام بها للمرحوم الدكتور عبدالهادي التازي في منزله بالرباط، الكاتب والمؤرخ المعروف في المملكة المغربية، الذي سبق وأن تقلد عدة مناصب حكومية في المملكة المغربية، وكان الكندي قادما من عمان وكان التازي حينها طاعنا في السن، وقد أحضر له الكندي حلوى عمانية، وعندما تسلم الهدية المتواضعة (الحلوى العمانية)، استحضر المؤرخ التازي قصة مرتبطة بالحلوى العمانية، ورواها سعيد الكندي عليّ.
تقول القصة على لسان الدكتور عبدالهادي التازي: "كنت في زيارة رسمية لسلطنة عمان الشقيقة وخلال هذه الزيارة أعطيت من ضمن ما أعطيت حلوى عمانية هدية من جلالة السلطان قابوس" (رحمه الله).
ويضيف: "بعدما وصلت المغرب اتصل بي الأمير مولاي عبدالله أخو الملك الحسن الثاني رحمه الله مستفسرا عن غيابي خلال الأيام القليلة الماضية، وذكرت له موضوع زيارتي إلى سلطنة عمان والحلوى العمانية، واصفا له لذة هذه الحلوى، مما دفع بالأمير لزيارتي لتذوق هذه الحلوى التي أعجب بمذاقها، بعدها قام الأمير مولاي عبدالله كذلك بذكر لذة هذه الحلوى للملك الحسن الثاني (رحمه الله) الذي طلب من الدكتور التازي أن يحضر له هذه الحلوى".
ويواصل الدكتور التازي قصته مع الحلوى العمانية فيقول: "حينها شعرت بحرج كبير كيف لي أن أحمل معي هذه الحلوى للملك، وقد سبق لي أن قمت بأكل جزء منها، كما تذوقها معي الأمير مولاي عبدالله، فذهبت للأمير مولاي عبدالله لكي ينقذني من هذا الموقف الصعب، وما كان من الأمير إلا أن هدأ من روعي وقال لي إن الأمر بسيط وإن الملك يريد فقط أن يعرف طبيعة هذه الحلوى ومذاقها وحسب".
ويتابع الدكتور والمؤرخ التازي راويا قصته عن الحلوى العمانية التي طلبها الملك الحسن الثاني رحمه الله: "استقبلني الملك ومعي الحلوى العمانية؛ حيث قام الملك بتذوقها وقد استطعم مذاقها وأُعجب بها أشد إعجاب، وقرر تقديمها لضيوف أوروبيين، كان على موعد مسبق معهم على العشاء، لكنه فكر كيف يقدم الحلوى العمانية اللذيذة وقد أكل منها، لذا استدعى طباخ الحلويات في حينه؛ حيث طلب الملك منه أن يقوم بتقطيع الحلوى لمربعات صغيرة ووضع عود في كل مربع حلوى، وأن توضع بعد ذلك في أوانٍ داخل الثلاجة بطريقة منظمة، وفعلا فعل الطباخ ما أمر به الملك، وفي المساء حضر الضيوف واستطعموا الحلوى وأعجبتهم كثيرا وسألوا عن طبيعتها وكيف تصنع وما هي مكوناتها، فرد الملك بانه لا يعلم مكونات هذه الحلوى العجيبة، لكنه قال إنها الحلوى العمانية المشهورة عالميا".
هنا انتهت القصة.. لكن طريقة وصول الحلوى العمانية إلى بلاط الملك الحسن الثاني، تدعونا لكي نؤرخ هذه القصة ونستلهم منها أهمية تسويق الحلوى العمانية لتكون متواجدة على موائد الحكام والأمراء ورؤساء الدول، باعتبارها أكلة عمانية المنشأ والهوية..
من هنا أعتقد أنه لا بُد وأن يكون هناك اجتهاد ودعم لفكرة تطوير آلية وشكل تغليف وتسويق الحلوى العمانية، لنرى حضورها في كل الأسواق العالمية، ويكون هناك طلب عليها من كبار المستوردين، فكما تقوم الشركات العمانية بطلب المنتجات والعلامات التجارية العالمية لبيعها في السوق العمانية، فعلى هذه الشركات الاشتغال على تسويق الحلوى العمانية كعلامة تجارية عمانية خالصة في الأسواق العالمية.
فهل يمكن أن نستلهم من قصة الحلوى العمانية مع الملك الحسن الثاني مشروعا لترويج الحلوى العمانية إلى آفاق أرحب؟!