تحديات التعليم في ظل "كوفيد 19" (1)

 

د. عزيزة الطائية

"التعليم زينةٌ في الرّخاءِ، وملاذٌ في الشّدةِ" - أرسطو

 

أبدأ بمقولة لأرسطو، ونحن نعيش تحديات تمس عملية التعليم وأدواته في زمن "كورونا"؛ فتتجلى لنا العديد من الأطروحات التي قد تواجه المؤسسة التعليمية، وينفتح أمامنا سؤال كبير، وهو: إلى أي مدى نستشعر مقولة أرسطو ونحن نعيش أزمة كورونا محليًّا وعالميًّا؟!

وإذا سلمنا بأنّ الشّعوب أدركت منذ الأزل أهمية التعليم باعتباره وسيلة من وسائل تكوين شخصية الطّفل وبنائها بناءً معرفيًّا وسلوكيًّا، وركيزة مؤثرة لإعداده ليكون عضوا فاعلا ومؤثرا في مجتمعه، وقادرا على مواجهة العالم والتكيف مع متطلبات الحياة، سيتراءى لنا دور التعليم وأهميته في تثقيف الأجيال، وغرس قيم المواطنة من خلال تزويد المتعلم بالمهارات اللغوية، وتحقيق البناء الجسدي، وتعزيز الأهداف الوجدانية، لبناء جيل قادر على تخطي الأزمات الطارئة. وكما يقول تي.إس إيليوت: "وحدهم الذين يجازفون في الوصول إلى الأبعد، يكتشفون إلى أي مدى قد يصلون". فهل استطعنا أن نربي جيلًا قادرًا على المغامرة أو المجازفة لتستمر فاعلية التعليم؟ وهل لدينا الكادر التعليمي المدرب مهنيا على أسس تواكب أزمات الشعوب؟ لعل هذين السؤالين كفيلان بمراجعة فلسفة التعليم التي ترضينا، وتقدير أهمية التدريب مع توافر الخبرة لتنشئة جيل قادر على مواكبة الأحداث الجسيمة التي تمر بها المجتمعات على أصعدة كثيرة. إننا اليوم أكثر ما يكون بحاجة إلى معرفة ذواتنا، بل حاجة مجتمعنا إلى استمرارية التعليم، وعدم توقفها، وكما يرى جان جاك روسو" (Jean Jacques Rousseau) إن احترام الذات هو أكبر محرك للنفوس العزيزة"، كون احترام الذّات هو منبع مجتمعي، ينبثق منه سلامة المجتمع. فنحن نمر بالرحلة الأصعب، هي رحلتنا في مواجهة كل صغيرة وكبيرة، حتى نقولب المشهد العالمي قبل المحلي أمامنا، وندرك كل شيء، لنتمكَّن من الوصول إلى المبتغَى بمجازفة، هي أقرب إلى المغامرة؛ وإن اتسمت بالصعوبة والمشقة.

ولعل أبرز ما تنشده التربية الحديثة تحقيق بيئة تعليمية صحية، بغية إكساب المتعلم القدرة على التّكيف مع الظروف المحيطة به لمواجهة أزمات الحياة ومشكلاتها بموضوعية واقتدار، ورؤية تمكّنه من إيجاد الحلول الناجعة وتخطيها بفاعلية، وتذليل الصعوبات التي قد تواجه مساره التعلمي التعليمي، علاوة على أنها تدعم المتعلم لمواصلة الإنجاز العلمي، وتحقيق الغايات التعليمية المرجوة بطي المنهاج المدرسي، وتفعيل أساليب تقنية حديثة، وأخرى تربوية ترسمها فلسفة التعليم وأهدافها بخطط مدروسة ترقى بنموه المعرفي والبيولوجي والوجداني.

إن الهدف من تزويد المتعلم بخبرات علمية إجرائية يستطيع من خلالها تحقيق الذّات الفاعلة مع البيئة التعليمة الجماعية داخل غرفة الصف الواحد بشكل مباشر وغير مباشر غاية تعلمية تعليمية تسعى لتنظيم الاتصال المستمر بين المعلم والمتعلم، وهذا لا يتم إلّا من خلال بيئة تعليمية يتفاعل فيها المعلم والمتعلم في نشاط منهجي تعليمي مشترك.

وإذا آمنا بأنَّ المدرسة مؤسسة اجتماعية، تنثر إشعاعاتها وتفعّل مناراتها للمجتمع المحلي من حولها فإنها -بلا شك- تحقق للمجتمع ثقافة يستلهم منها المتعلم والمعلم أسسهما التربوية والتعليمية والتثقيفية، علاوة على إكساب المعنيين بالأمر من (والدين، ومعلمين) أساليب تعليمية تعينهم على استلهام قواعد منطقية، وأسس منهجية منظمة قادرة على توجيه الطالب إلى الممارسة السليمة، وحسن التصرف في مواقف حياتية مختلفة شبيهة بمواقف الحياة إلى حد كبير. وحتى يتحقَّق لنا كلّ ذلك بنسبة تربوية، لا نقول مكتملة تامة؛ بل نسبة نرتضيها. وهذا يتطلب منّا إيلاء تلك الأساليب والوسائط التعليمية أهمية بالغة توجه المتعلم إلى القدرة على تجاوز بعض الصعوبات التي قد تحيل دون ممارسة نموه الذهني والمعرفي والجسماني والوجداني، ونقصد هنا هذه الأنشطة الصفية وغير الصفية التي تعينه على اكتساب الخبرة بالتجربة مع الموقف التعليمي؛ من خلال قياس قدرة المتعلم على إثراء حصيلته المعرفية والسلوكية معًا..

بهذا كله ستغدو الممارسات التربوية عونًا للمتعلم على تخطي العديد من الصعاب، وتجاوز المشكلات التي تحول دون نموه البنائي والمعرفي عند ممارسة أنشطة نوعية (صفية وغير صفية)؛ تلك الأنشطة التي تتواءم ومفاهيم النقلة النوعية التي تنشدها التربية الحديثة في بيئة تعليمية تربوية صحية تعينه عند اكتساب المعارف، وتعزز من قدراته، وتثري مهاراته مع اكتسابه حداثة التعليم ورقميته، وإسباغ مرونته في المعلم والمتعلم على السواء، بهدف فتح آفاق جديدة رحبة للمعلم تهتم ببناء خصائص المتعلم العقلية والمهارية والنفسية عند طرح دروس نموذجية، وأنشطة نوعية؛ ناهيك عن تعزيز ثقافتهم الاجتماعية لتأسيس بيئة تعليمية متكاملة عبر أساليب التعليم الحديثة ووسائطه التعليمة من تعلم تعاوني وذاتي، وعصف ذهني، وحل المشكلات، وإبداء الرأي، وتعلم إلكتروني.