حلم مواطن.. ووعد قائد

د. عزيزة الطائية

ونحن على أبواب عيدنا الوطني المجيد، فرحين بالعهد السعيد في الثامن عشر من نوفمبر، مُتطلعين بحبٍّ وثقة إلى أنَّ القادمَ أجمل. نتذكَّر حلمَ الإنسان العُماني قبل خمسةِ عقودٍ. أمام تطلع قائدٍ كان همُّه منذ تقلده زمام القيادة أنْ يرى عُمان بين مصاف الدول المتقدمة فكرًا ورؤية. وهو القائل في البيان التاريخي عام 1970  للشعب العُماني: "أيها الشعب.. سأعمل بأسرع ما يمكن لجعلكم تعيشون سعداء لمستقبل أفضل.. وعلى كل واحد منكم المساعدة في هذا الواجب".

هكذا بدتْ تجليات أول ظهور لباني نهضة عُمان الحديثة ومؤسسها، السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- كلمات ربما لا يعيها الأبناء، ولكن يحملون في نفوسهم لقائلها كل الولاء والمحبة والعرفان. إنها دفقة حية لمسيرة شاقة، وجادة، وساعية، وطموحة، وفاعلة؛ لأجل تألق أرض عُمان الحب والخير حتى تواكب في مسيرتها مصاف الدول العربية القديرة، ودول العالم التي تحظى بالاحترام.

وفي غمرة اقتراب احتفالات السلطنة بالعيد الوطني الخمسين للنهضة، نستذكر الكلمات، ونتأمل الإنجازات، ونرنو متسائلين: هل أنجز هذا القائد الطموحات والتطلعات التي وعد بها شعبه؟! هل أزاح الظلام ليفتح نافذة حلم جديدة على الشعب؛ لينساب الفجر مشرقًا من بين أروقة ظلمة المكان؟!

لرُبما، لا يستطيع الإجابة إلا من أدرك تاريخ هذا البلد العظيم بجذوره العبقة الممتدة إلى عمق تاريخه الزكي كزكاء رائحة أشجار النارنج، وخيوط الزعفران فيه، وتأثيره على شعوب أزهرت حضارتها بفضله، وأدانت بالإسلام لسماحة خلقه بفضل أجدادنا العُمانيين. لعل ذلك يجعلنا بين العين والقلب، أمام البصر والبصيرة؛ إن ذاك القائد كان يدرك جذور الإنسان العماني، وتأثيره البين في التاريخ والعلوم؛ بل الحضارة الإنسانية جمعاء، فجاهد جهادًا مخلصًا لكي تبقى عُمان على مر الزمان منارةً مشعةً بالخير والعطاء؛ ليعيد لها إرثها واعتبارها ومجدها الإنساني والعالمي، وكان له تلك الكرامة التي تجلتْ على أرض الواقع، بما وهبه المولى من كينونة، وعلامات مكنته من السير بهمة وفخار واعتزاز.

ها نحن اليوم، وفي أجواء اليوبيل الذهبي لمسيرة نهضة عُمان الحديثة، نستذكر خطاباته المحفزة، نمعن في دلالاتها عند منعطف كل سهل وجبل، وساحل وصحراء في القرية أو المدينة؛ نرنو بامتنان إلى ترجمة الوعد الذي تجسد بالفعل، ونتأمل المنجز الحضاري الذي صنعته يد السخاء برؤية ثاقبة، ومراسٍ عازم، وحكمة سديدة تستدعي الحلم الذي أشرق بفجر منير على أرض عُمان وأهلها؛ مرددين نشيدنا الخالد الذي دائما يعمق فحواه نحت كياننا العُماني بحضارتنا الغابرة، ومسيرتنا الحاضرة، ومستقبلنا الواعد؛ تحدونا الهمة والعزم بتآزر الأمل مع ترجمته على أرض الواقع بين (كلمات مواطن رانية، ومنجزات قائد فاعلة). هذا النشيد الملحمي الذي بقي ملهمًا لكثير من أبناء عُمان، وحفزهم على البذل والعلم، بالجد والاجتهاد، بالتضحية والمثابرة، بالانتماء والولاء للحفاظ على إرث الأجداد، والفخر والاعتزاز بالمنجزات والمكتسبات التي تحققت على أرض الواقع خلال خمسين عامًا تحسب للعمل المخلص الجاد لترسيخ علاقة متفاعلة بإيجابية بين الشعب والقائد.

إنها بشارة الخير، وصوت الحق، ومنارة البذل، وراية المجد تغمر الفضاء خفاقة في ربوع أرضنا الطيبة. كلمات لشاعر مواطن محب "عبدالله الطائي" تدفقت من نبض دمه وإشراقة روحه في بدايات العهد، غمرت قلب الشعب، بالأمل والبناء لمسيرة قائد شاب همام ترجمها بكل إخلاص على أرض الواقع.. وها نحن اليوم نعيش تحت ظلال إشراقة راية المجد. إنها سنوات تاريخية عبقة، لن ولم تمر مرور عابري السبيل؛ بل تمخض عنها قول وفعل، همة وعزم سجلها التاريخ الحديث على صفحات الفخر لنصدح جميعا بصوت واحد -نحن العمانيين- هنا الحب العظيم.. هنا عُمان المجد! بينما بقي النشيد يزهر، وينمو في نفوسنا، وأضلع هويتنا الوطنية بإشراق كلما تقدم العزم والإنجاز، بتعالي أصواتنا، وامتداد أيدينا، وثبات أقدامنا، وعطاء قلوبنا لنقدم -نحن الشعب- الولاء والعرفان، لتنعم الأرض زهرا ونورا.

صوتٌ للنهضةِ نادى

هبوا جمعًا وفرادى

قابوسٌ للمجدِ تَبادى

فابنوا معهُ الأمجادا

يا أبناءَ عُمان الأجوادا

الآن.. نقف شامخين رافعي الرأس، أمام كل منجز لمسيرتنا الخلاقة، وتحت راية كل مشهد وآخر من مشاهد هذا النشيد الملحمي الخالد، فابتداء من الفلاح الذي يمثل جذور الأرض العُمانية، فالمرأة صانعة الأجيال، فالعامل الذي يغرس جذوره لتحيا الأرض، ثم التلميذ الذي يعول عليه الوطن بعلمه ومثابرته، وصولا بالشعب كله الذي تغدو مسيراته الشعبية المحملة بالأمنيات ملحمة وطنية مبتهجة ممتنة بالمنجزات التي حلم بها، وتطلع إليها. مستذكرا بالكلمات الشعرية الدور التاريخي الأصيل الذي قام به الأجداد من خلال شخصيات قيادية لها بصمتها التاريخية الفاعلة، وكان لها نصيب جزل لرفعة اسم أرضنا الطيبة عُمان على مساحات الفضاء، تاركًا الكلمات تنساب بالفخر لوجهة التاريخ نافذة مشرعة تطل من خلالها الأجيال؛ حتى يسترجعوا ألقهم بمؤازرة هذا القائد وما منحه الله -عز وجل- من كرامات أريجها حنكته وحكمته ورؤيته الثاقبة لإعادة حضورهم الأممي، ومجدهم التاريخي؛ وكأن هذه الفاصلة بين البداية والنهاية هي صانعة الحاضر والمستقبل معًا، وكأنَ الشاعر عبدالله الطائي مع القائد السلطان قابوس بن سعيد بينهما تلاقٍ روحي أصيل، وفكر مشترك مدرك، ومحبة غامرة لأرضنا البهية بأبنائها، وكأنهما تعاهدا بـ"الكلمة المحفزة والوعد المنجز" لتطريز حكاية شعب بأكمله على صفحات التاريخ الحديث بحبر من ذهب.. لنردِّد بعزم وهمة مؤكدين جميعنا إلى أبد الآبدين:

تيهي يا أرضَ عُمانَ، تيهي يا خيرَ الأوطانْ

فخرًا بالأمجادِ تُشاد عودًا لتراثِ الأجدادْ

يا أسطولًا خاضَ بحارْ وبنى للفخرِ منارْ

يا جيشًا أجلى البرتغالْ للشعبِ نساءً ورجال

يا جلندى يا جيفرُ يا شاذانْ

يا أحمدُ يا فيصلُ يا سلطانْ

إنا اليومَ محونا محونا كل فسادْ

لا ظلمَ ولا طغيانَ يُرادْ

إننا نقفُ اليوم بانبهار وسعادة، رافعين الراية العُمانية أمام العالم أجمع بفخر واعتزاز؛ بأننا أبناء بررة لهذه الأرض العظيمة، بما حققناه من إنجازات وطنية في ظل قائد ملهم منحنا الكثير، وعلمنا الكثير على مدى خمسة عقود من الزمان، معاهدين الله والوطن وكل من يبني للدار محامد الحفاظ على المكتسبات، متمسكين بروح الهوية الوطنية في سبيل لُحمة الوطن الغالي عُمان.

نستذكر كل تلك الطموحات كمسرحية لا نريدها أنْ تسدل الستار على ما تحقق على أرض الواقع، ونحن نعيش بنعيم حضاري بما تحقق لمسيرتنا الجميلة، محتفين باستكمال خمسين عامًا مضتْ. ها نحن اليوم دونه، نسير بشموخ وفرح، بتطلع وعزة شباب وشابات، مرددين عبارات الفرح والسناء، فخورين بالمنجز العماني الذي وعد به القائد، وأجزل العطاء. ويكفينا اعتزازا وفخرا بأنه لم يتركنا أيتاما باحثين عن حضن آمن؛ بل أجزل لنا من حبه وفضله وحنانه بعد وفاته، عندما مد لنا قلبه ويده معًا قبل أن يواريه الثرى، وأوصى بنا قائدًا مهابًا يسير على نهجه سير النبلاء بكل إباء وتفانٍ وإخلاص لتكملة مسيرة النهضة المباركة، وصناعة الإنسان العُماني وبنائه تحت قيادة حكيمة تتطلع لمستقبل عُمان بكل إخلاص وبهاء بين دول العالم، لتحتفظ بمكانتها الريادية، ورؤيتها المتوازنة تحت قيادة أحد أبنائه الأوفياء صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق -أعزه الله وأبقاه- لخدمة هذا الوطن العزيز، ورفعة شعبه الأصيل، وأوصانا بمؤازرته في كل الأحوال. فعُمان تستحق منا كل الخير والبذل والاجتهاد والعطاء، وكما طلب منا التاريخ/الزمن في النشيد الخالد:

يا أولادي يا أبناءَ عُمانْ

أرهفتُ السمعَ لكم بأمانْ

فأنا التاريخ رفيق الأزمان (...)

نعم.. هو مرجعيتنا التاريخية التي تنادينا برفق ومحبة، بتوجيه وإرشاد، محفزةً ومشجعةً لإكمال مسيرة الخير والسلام بثقة وحب، وإخلاص وامتنان تحت عينٍ واثقة حانية لن تغفل عن إسعادنا بالبهجة والرفعة، وحمايتنا من كل مكروه وضرر. قيادة سديدة أمنها الأب القائد -رحمه الله- لابنه الواثق، فلنحفظ العهد، وننجز الوعد، ونتعاضد بألفة حد الرمق، لتتألق راية عُمان خفاقة في السماء.

سيروا قُدمًا إن الأوطانَ تُصانْ

ودعوا العلمَ لكم نهجًا بالدين يصانْ

يا رب احفظهم.. وأنلهم من عندك معوانْ.

نعم.. إننا سائرون أيها التاريخ عبر الدروب، وبين المنازل من غير أن نلتفت إلى الخلف، وماضون تحت أطلالك مستنيرين بضيائك بنظرة تلقي ظلها على زوايا القرى، ومنافذ المدن، وأشرعة المحافظات العُمانية لرفعة الوطن ومجده مجسدين رؤى القائد من أجل مواصلة مسيرة العقود الخمسة، ليكون نداء "صوت للنهضة نادى" حيا ملهما لنا -جمعًا وفرادى- في سبيل الحفاظ على ركب النهضة المتجددة تحت ظلال قيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق -أعزه الله وأبقاه- العازمة، وسنبقى كشعب عُماني أبي نحتفل بهذا اليوم العظيم، وسنغرس في نفوس أبنائنا حُبَّ عُمان، وترسيخ الهوية العُمانية، سائرين بثقة وهمة تخليدًا "لكل من يبني للدار محامد". وكما قال أبونا السلطان -طيب الله ثراه- في خطابه في العيد الثاني المجيد 1972: "الدرب طويل، ولكنْ بالجهدِ والمثابرةِ سوف نصلُ إلى هدفِنا بأسرعِ وقتٍ".